يعقوب آل ناصر: ماذا يعنى «لا نريد للبحرين أن تكون عراقا آخر»؟

إسقاط تمثال للرئيس العراقي صدام حسين بعد سقوط بغداد 7 أبريل 2003
إسقاط تمثال للرئيس العراقي صدام حسين بعد سقوط بغداد 7 أبريل 2003

يعقوب آل ناصر - 2020-07-24 - 9:11 ص

لكوني لا امتهن الكتابة أجد نفسي أحيانا كثيرة عاجزا عن التعليق على الكثير من الأحداث في البحرين رغم أهميتها، وأحيانا أبدأ في كتابة تعليقٍ على حدث ما، لكن وهج الحدث ينطفئ بينما أحاول اختيار المفردات والتعبيرات بعناية تامة.

المشكلة كما يقول لاري ماك انيرني أستاذ الكتابة في جامعة تشيكاغو أن الكتابة هي من تقود الأفكار، بمعنى أنك يجب أن تستخدم الكتابة لتساعدك على إنتاج الفكرة لا أن تضع مخططا للموضوع ثم تشرع في تعبئته. 

منذ زمن وأنا أتأمّل عبارةً دائما ما يرددها رجال سلطة وكُتّاب ورجال دين موالون للحكومة في البحرين. مَرَرْتُ على العبارة كثيرا مرور الكرام، لكني توقفت عندها أخيرا لأدقّق وأفهم ماذا يعني «لا نريد للبحرين أن تكون عراقا آخر»

بدأت محاولة الفهم تلك بتحليل الواقع العراقي الذي لا يرتضيه هؤلاء المعلقون. فوجدت ما يشير في تلك الكتابات أو الخطابات بقوة إلى ما حدث بعد غزو العراق في العام 2003، من إنفلات أمني وعدم وجود سلطة مركزية تبسط الأمن وتضمن وحدة الجمهورية. 

وجدت بين السطور ما يشير إلى التدمير والتهجير الذي تعرضت له المدن التي يقطنها غالبية من الطائفة السنية أو التمييز الذي يلحق بتلك المناطق في شمال وغرب الوسط وقاطنيها.

كما رأيت بعض التحليلات التي تتطرق إلى الفساد، حيث تحتل العراق المرتبة 162 عالميا على مؤشر مدركات الفساد، إلى جانب الفقر وغياب البنية التحتية في ادعاءات آخرى. 

في الحقيقة، لا أملك من الاطلاع على الشأن العراقي ما يكفي لتأييد أو معارضة مجمل تلك الأحكام، كما أنني لم أر ضرورة في التوقف عند الشأن العراقي فما قصدته أبعد من ذلك. 

بعدها قلت في نفسي، ماذا لو رد معارضون في البحرين إنهم «لا يريدون للبحرين أن تكون عراق صدامٍ آخر»، بمعنى أنهم لا يؤيدون أيضا ما جرى في العراق قبل الغزو الأمريكي في العام 2003، وهو فاصل زمني بين عراقين.

بمعنى أنهم لا يريدون أن يتم الهجوم على المحافظات الجنوبية بالدبابات والاعتداء على أضرحة أئمة الشيعة ومقدساتهم ومرجعياتهم، ولا يريدون إبادة المدنيين بالطائرات السمتية.

بالتأكيد لا يريدون أيضا اعتقال مئات الآلاف من المعارضين السياسيين وإعدامهم بعد محاكمات صورية أو حتى خارج القانون. ولا يريدون أن يتم تهجير المواطنين من الشيعة وطردهم خارج الحدود، وغيرها من الإدعاءات التي يتم مواجهة نظام صدّام حسين بها. 

تساءلت أنه إذا كان الموالون يفترضون أن الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي تطلبها المعارضة البحرينية ستقود إلى عراق لا يريدونه، فهل معنى ذلك أنهم يريدون عراق ما قبل ذلك حيث يتعرض الشيعة لأبشع أنواع الانتهاكات؟

تبدو المسألة معقّدة جدا بين عراقين اثنين متناقضين: فالقوى التي كانت تتحكم وجدت نفسها يُتحكم بها. وبهذا المنطق خسر العراق الوطن الكثير في المرحلتين.  

وفي الواقع لا تبدو هناك فرص كبيرة لوجود بحرين أخرى يحكم فيها المحكومون الحكّام، لكن الفرص لا تزال موجودة للاجتماع على رفض النموذجين العراقيين وبناء نموذج وسط يقوم على الشراكة في الحكم وهذا ما تدعو له المعارضة البحرينية. 

* بحريني مقيم في فنلندا