إميل نخلة: التداعيات المحلية والإقليمية لتطبيع العلاقات بين البحرين وإسرائيل

من حفل التوقيع المشؤوم يوم الثلاثاء 15 سبتمبر / أيلول 2020
من حفل التوقيع المشؤوم يوم الثلاثاء 15 سبتمبر / أيلول 2020

إميل نخلة - موقع Responsible Statecraft السياسي - 2020-09-19 - 12:39 ص

ترجمة مرآة البحرين

لم يكن قرار البحرين بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، بعد قرار الإمارات المتحدة، ليحدث الكثير من الضجة على الساحة الدولية. فعادة ما تُطبَع القرارات الإقليمية والدولية الرئيسية التي اتخذها نظام آل خليفة في البلاد بنهج جارتها الأكبر والأكثر قوة، المملكة العربية السعودية.  ولاسترضاء إدارة ترامب، وبسبب اعتماد النظام على الولايات المتحدة من أجل الأمن، قرّر ملك البحرين حمد إرسال وزير خارجيته عبد اللطيف بن راشد الزياني للانضمام إلى حفل التطبيع في البيت الأبيض يوم الثلاثاء. ما يجعل حفل التوقيع حدثًا غير ذي معنى، هو أن الحرب لم تكن على وشك الاندلاع بين إسرائيل والإمارات أو إسرائيل والبحرين.

ما جعل قرار التطبيع جديرًا بالتحليل هو عدد لا يحصى من القضايا الخاصة التي تنفرد بها البحرين، والتي قد تسلط الضوء على خروج الملك حمد عن الموقف العربي التقليدي بشأن فلسطين وإسرائيل. وكما كتبت مؤخرًا، لا يتعلق تطبيع العلاقات مع إسرائيل بالفلسطينيين أو بحل الدولتين. إنها في الأساس صفقة مقايضة بين الإمارات الخليجية وإدارة ترامب.

من المرجح أنهم سيهزمون ترامب في الانتخابات الرئاسية المقبلة بسبب استعداد جو بايدن لإشراك إيران وإعادة الدخول في الاتفاق النووي. في المقابل، وعد ترامب ببيعهم طائرات مقاتلة متطورة تصل قيمتها إلى عشرات المليارات من الدولارات، كما أشار إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي سيؤجل متابعة قضية الضم الزائفة لعدة سنوات.

تسكن في الأرخبيل البحريني غالبية شيعية تم تهميشها دائمًا من قبل الأقلية السنية الحاكمة. انخرطت الغالبية الشيعية في كفاح مستمر من أجل حقوق الإنسان والمساواة والعدالة. دان الزعيم الشيعي آية الله الشيخ عيسى قاسم، المقيم حاليًا في إيران، صفقة التطبيع مع إسرائيل بشدة، قائلًا إنها تتعارض مع مصالح الشعب البحريني.

ما ينبغي أن يكون مقلقًا لنظام آل خليفة هو أن الأقلية السنية في البحرين كانت بشكل تقليدي داعمة للقضايا القومية العربية، بما في ذلك إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة. في محادثاتي مع البحرينيين السنة على مر السنين، أصبح من الواضح لي أنهم يدعمون بقوة نموذج الدولتين. حتى مع تضاؤل ​​احتمالات قيام دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، واصل الكثيرون المطالبة بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وتخفيف القيود المفروضة على غزة. قد يؤدي قرار الملك حمد بتطبيع العلاقات علانية مع إسرائيل إلى عزل نظامه بشكل أكبر في الداخل.

كما أن القرار لا يعزز بالضرورة أمن النظام أو يصرف الانتباه عن سجله الوحشي في مجال حقوق الإنسان، خاصة ضد الشيعة والمعارضين السلميين الآخرين. يمكن للاتفاقية أن تثير احتجاجات داخلية، وتهدد انعدام الاستقرار في الدّاخل. وبخلاف الأعضاء الآخرين في مجلس التعاون الخليجي، يمكن أن تصبح البحرين بسهولة هدفًا لغضب إيران ومخططاتها الحاقدة. علاوة على ذلك، كانت البحرين الإمارة الوحيدة، التي، قبل حصولها على الاستقلال في العام 1971، ادعى الشاه أنها جزء من إيران. لن يتضاءل التهديد الوجودي المُتَصَوّر من إيران لنظام آل خليفة بسبب علاقاته الدبلوماسية والتجارية الرسمية مع إسرائيل.

يتساءل المرء ما إذا كان الملك حمد ونجله ولي العهد الأمير سلمان قد أجريا تحليلًا جادًا للتهديدات الداخلية والخارجية لتأثير قرارهم بتطبيع العلاقات مع إسرائيل. هل ينبغي لإيران أن تتخذ موقفًا أكثر عدوانية ضد البحرين؟ هل ستدخل الولايات المتحدة، وهي وسط الانتخابات الرئاسية ، أو الاتحاد الأوروبي، وهو وسط جائحة الكورونا،  في حرب مع إيران لإنقاذ البحرين؟ الدولة الجزيرة على مرمى حجر من إيران، ولكنها أيضًا المركز الرئيسي للأسطول الخامس للبحرية الأمريكية. لا يُتَوَقّع أن تخوض واشنطن أو طهران حربًا على البحرين.

هناك قضية فريدة أخرى في البحرين، وهي وجود جالية يهودية صغيرة في المنامة، عاصمة البلاد. يتتبع اليهود البحرينيون أصولهم إلى العراق، حيث انتقل أسلافهم من بغداد إلى البحرين في أواخر القرن التاسع عشر. عائلة نونو، عائلة بارزة في المجتمع اليهودي، وهي معروفة جيدًا في مجتمع الأعمال البحريني وفي خدمة الحكومة.

في الواقع، كانت هدى عزرا إبراهيم نونو، ابنة كبير العائلة، المعروف جدًا، المرأة اليهودية الأولى على الإطلاق التي تعمل كسفيرة للبحرين في واشنطن من العام 2006 حتى العام 2013. هاجر عدد قليل جدًا من اليهود البحرينيين، إن وُجِدوا، إلى إسرائيل بعد إنشاء الدولة اليهودية في عام 1948. في لقاءاتي مع عدد من أفراد عائلة نونو قبل عدة سنوات، كان لدي انطباع واضح بأنهم يعتبرون أنفسهم مواطنين بحرينيين يحدث أنّهم يلتزمون بالعقيدة اليهودية. وقد حافظوا على علاقات جيدة مع آل خليفة ومع مجتمع الأعمال البحريني من السنة والشيعة.

كيف سيؤثر قرار التطبيع الذي اتخذه آل خليفة على هذه الطائفة، وهل ستظهر مشاعر معادية لليهود بين بعض معارضي التطبيع نتيجة لهذا القرار؟ سيكون من المأساوي أن يؤدي التقارب العلني للملك من إسرائيل إلى تعريض الطائفة البحرينية اليهودية للخطر وجعل [أفرادها] أهدافًا محتملة للكراهية. وفي حال حدث هذا، هل سيبدأ أفراد الجالية اليهودية في التفكير بالهجرة إلى إسرائيل؟

تُشَكّل العلاقات البحرينية - السعودية، والنفوذ الذي يمارسه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على البحرين عاملاً فريدًا آخر في مزيج التطبيع. وغني عن القول إنّ الملك حمد لم يكن ليتخذ هذا القرار من دون موافقة ضمنية من محمد بن سلمان. خوفًا على بقاء نظام آل خليفة الملكي خلال الانتفاضة الشعبية في عام 2011، قرّرت المملكة العربية السعودية إرسال قواتها إلى البحرين، وقد بقيت هناك منذ ذلك الحين. وبالتالي، برزت البحرين كدولة تابعة للسعودية، وسيادتها محدودة.

معظم قرارات السياسة الخارجية للبحرين في السنوات الخمسة الماضية - لا سيما في ما يتعلق بإيران والاتفاق النووي الإيراني، والحرب التي تقودها السعودية في اليمن، ومقاطعة قطر، والصمت تجاه نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وتزامن الضم الإسرائيلي لمساحات واسعة من الأراضي في الضفة الغربية - تمامًا مع رغبات وسياسات السعودية. لم يكن هناك فرق بين الموقف السعودي والبحريني من أي قضية سياسية عربية أو إقليمية أو دولية.

وإدراكًا لموقف والده القوي من مبادرة السلام العربية وصيغة "الأرض مقابل السلام" كأساس لسلام إسرائيلي - فلسطيني مستقبلي، امتنع محمد بن سلمان عن الانضمام إلى جارتيه في تطبيع العلاقات مع إسرائيل. قد تكون إيماءته للبحرين إشارة إلى الملك حمد، وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد (أو محمد بن زايد)، والرئيس ترامب بأن التطبيع مقبول، لكن المملكة العربية السعودية لن تنضم إلى العرض، على الأقل ليس أثناء وجود الملك سليمان على العرش السعودي. من المثير للاهتمام أيضًا ملاحظة أنّه على الرغم من أن رئيس الوزراء نتنياهو مثّل إسرائيل في حفل البيت الأبيض، لم يحضره محمد بن زايد ولا ولي العهد البحريني الأمير سلمان.

يجدر بالمشاركة في حفل التطبيع في البيت الأبيض أن تكون أمرًا مثيرًا بالنسبة لدولة صغيرة مثل البحرين، لكن تحليلًا جديًا للكلفة والمكسب سيُظهر أن الرونق لا يستحق المخاطرة. لم تحصل البحرين على أي مزايا جديدة من الصفقة تفوق ما كان لديها سابقًا. قدّمت الإمارات والسعودية بالفعل مليارات الدولارات للبحرين لدعم اقتصادها المتدهور. وتواصلت المبيعات والمساعدات العسكرية الأمريكية بغض النظر عن الصفقة مع إسرائيل، كما كان التعاون على المستوى التقني والاستخباراتي  مع إسرائيل مستمرًا قبل الإعلان العام. خرج الاستبداد والطغيان العربيين من الصفقة وكأنهما أكبر الرابحين، بينما بالنسبة للشعوب العربية، فإنّ حقوق الإنسان والديمقراطية بينما بالنسبة للشعوب العربية، فإنّ حقوق الإنسان والديمقراطية هي أبرز الأطراف الخاسرة للأسف. 

النص الأًصلي