شهادة عن لحظات الوداع الأخير بين رفيقة العمر وحبيبها الشهيد (بركات): هل تشعر بذلك ياحسين؟
2021-06-10 - 2:13 ص
مرآة البحرين (خاص): كان كل ما بقي من أحلامها هو إلقاء نظرة الوداع الأخيرة، طالبت وأصرّت على الوصول إليه، وفعلا حدث ذلك اليوم الأربعاء 9 يونيو 2021، كيف ودّعت الزوجة تهاني رضي خليل شهيدها السجين السياسي حسين بركات (48 عامًا)؟
أدخلوها الغرفة، كان أمامها ممدّد هادئ، نظرت له مليّا، طلبت من الطاقم الموجود السماح لها بلمس شعر رأسه، سمحوا لها بذلك.
مسحت بيدها فوق شعره، وقالت له "كنت أعدك بأني سأزعجك وألعب بشعرك إذا ما خرجت من السجن، وهأنذا أفعل ياحسين، لكنّي لم أتوقع أبدًا أن يحدث ذلك وأنت ميّت".
واصلت الحديث بعد أن أمسكت بخد زوجها الشهيد، كأنها تمزح معه للمرة الأخيرة، خاطبته "كنت أتمنى أن أفعل ذلك، وهأنذا أفعل. لكن هل تحس بأصابعي يا أبا علي؟"
تقول الناشطة الحقوقية ابتسام الصائغ "كنت مع زوجته، حين كانت تحادثه، كنا جميعا ننظر إلى وجهه، لا أدري بصراحة، لكن داخلني شعور إن حسين ابتسم لنا، لا أدري هل حدث ذلك أم لا، لكن وجهه ظل مطمئناً. واضح أنه واجه الموت بهدوء وبنفس راضية، كان وجهه يشع بالاطمئنان، لكنّ شفتيه بدت بيضاء، كأنه مات عطشانًا. رأيت جسده نحيلاً، لقد تحمّل الكثير من الآلام وعانى الكثير".
الشهيد حسين بركات، شاب من أهالي قرية الديه، شارك في انتفاضة التسعينيات، تم اعتقاله في تلك الحقبة وتعرض للتعذيب الشديد، وأصيب على إثر تعليقه بطريقة (الفلقة) بتمزق في أربطة الركبة ما سبب له شبه عاهة مستديمة في الركبة. ظل لديه ألم دائم ومعاناة بسبب ذلك.
في العام 2015 تم اعتقاله في القضية المعروفة بقضية (كتائب ذو الفقار) ومعروف ما تعرّض له المتهمون في هذه القضية من تعذيب متوحش.
تعرض حسين بركات كما قال لعائلته لتعذيب شديد، كان المحققون يقفون فوق صدره ويضغطون بقوة لخنق أنفاسه لإجباره على الاعترافات، لذلك أصاب الشهيد بركات ضيق في التنفس، ظل يعاني منه طوال السنين الست الماضية.
بعد أن تم الحكم عليه بالسجن مدى الحياة، حاول حسين طوال فترة وجوده في السجن، دعم نفسيات السجناء الشباب الصغار، صار مثل الأب الرحيم، والأخ الحنون، زرع فيهم الأمل بالفرج، ظل يساهم في حل المشاكل إن حدثت، ويقدم الدعم والنصيحة لكل محتاج، يحاول تلطيف الجو للمتعبين من السجناء، كثيرون داخل السجن يعيشون الآن صدمة، كمات ينقل لنا بعض السجناء.
أصيب بركات بفيروس كورونا، وتدهورت حالته التنفسّية بسرعة، حاول زملاؤه إقناع إدارة السجن بنقله للمستشفى، وتم فحصه من قبل طبيب السجن الذي سمعه السجناء يقول للشرطة إن السجين مصاب بالكورونا، وإن نسبة الأوكسجين لديه هابطة بشدة، ولكن الشرطة أعادوه للزنزانة، استمر هذا الوضع خمسة أيام، حتى ساءت حالته الصحية، ولم يتم نقله للمستشفى إلا حينما أيقنت إدارة السجن أنّه يشارف على الموت فعلاً.
في يناير 2014 اعتقل ابنه علي بركات وعمره 16 عاما، وتم الحكم عليه بالسجن 22 عامًا، مرّت ثمان سنوات، وعلي يبلغ من العمر اليوم 24 عاماً، اليوم تم إخراجه بعد أن تم وضع قيد إلكتروني في قدمه، لكي يحضر جنازة أبيه، ويعود بعدها للسجن.
تعيش زوجة الشهيدة وحيدة مع ابنها رضا ذي 16 عامًا، في شقة متواضعة بمنطقة السنابس.
العائلة تم حرمانها من الحصول على منزل إسكاني، عقاباً جماعياً من السلطة على عائلة الشهيد بركات، تماماً مثلما حدث مع عائلة الشهيد عباس مال الله الذي استشهد في أبريل الماضي داخل السجن.
تم دفن الشهيد بركات في مقبرة أبوعنبرة في منطقة البلاد القديم، تجمّعت العائلة بعد الدفن عند قبره، احتضنت الأم ولديها، ذرفوا الدموع الحّارة فوق تراب القبر الطريّ، هكذا كان الوداع الأخير.