علي الجمري: في تأبين الشاعر البحريني غازي الحداد (1961-2021)

الشاعر الراحل غازي الحداد  (أرشيف)
الشاعر الراحل غازي الحداد (أرشيف)

علي الجمري - موقع arablit الإنكليزي - 2021-07-03 - 12:51 ص

ترجمة مرآة البحرين

فارقنا الشّاعر البحريني غازي الحداد (1961-2021) الأسبوع الماضي. توفي يوم الأربعاء 23 يونيو/حزيران. وكعدد من شعراء البحرين غزيري الإنتاج، اشتهرَ بقصائده الحسينية لإحياء المناسبات والنّضالات والشّهادات التي تعتبر مركزية في الإسلام الشّيعي، والتي ستظلّ عابقة بذكراه. وهو نظم أيضًا قصائد ثورية معروفة جيدًا خلال انتفاضة البحرين في تسعينيات القرن الماضي وقصائد تؤكد بقوة التّهميش الذي تتعرض له الهوية البحرينية.

تعود بي الذّكرى إلى غازي، وإلى أبياتي المُفضلة لديه:

ونحنُ فخرُ أوالٍ في حضارتها

ونحنُ أعلى بني عُربانِها نسبا

لنا شمائلُ عبد القيسِ في كرمٍ

ومن ربيعةَ طابت ريحُنا حسيبا

ونحنُ جمرُ الغضا لو جئتَ مسجرة

لا تحسبنّهُ مِن تحت الرمادِ خبا

وهذه القصيدة تأكيد مهيب لهوية وتاريخ البحراني، واللّذين تمّ إنكارهما والتقليل قيمتهما في كل من البحرين والمملكة العربية السعودية. في فترة ما قبل الحداثة، كانت "البحرين" تشير إلى السّاحل الشّمالي الشّرقي لشبه الجزيرة (أي تقريبًا من البصرة الحديثة إلى عمان)، في حين كانت الجزر المعروفة الآن باسم البحرين تُسمى بـ "أوال". وتُعتَبَر أوال وبلدات القطيف والأحساء (في المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية) "قلب" البحارنة، أقدم جماعة عربية استقرت في المنطقة، والذين يعود تاريخهم وأنسابهم إلى القبائل العربية في عصر ما قبل الإسلام، ومنها عبد القيس وربيعة. وليس  هناك دلالة أكثر وضوحًا على تهميش هذه الجماعة من حقيقة أن الغالبية العظمى من السجناء السياسيين في البحرين اليوم هم من العرب البحارنة. وتشير بعض الانتقادات السّيئة النية إلى وجود هجوم في هذه القصيدية على بقية البحرينيين، لكن الأمر ليس كذلك، فهي تأكيد على الوجود المقاوم في مواجهة القمع.

ومن أشهر قصائده قصيدة "لو كان لساني مقطوعًا"، وهي قصيدة ثورية مقاوِمة تعود إلى حقبة التسعينيات. كتبها الشاعر الحداد بعد اعتقال الشيخ عبد الأمير الجمري خلال انتفاضة التسعينيات التي دعت إلى إعادة العمل بدستور البحرين ومجلس الأمة المنتخب ديمقراطيًا، وكانت الحكومة قد علّقت كلا الأمرين في العام 1975، بعد أن حاول البرلمان منع تمرير قانون أمن الدولة المُرهِق الذي منح قوات الأمن سلطات اعتقال واسعة. كان جدي، الشيخ عبد الأمير الجمري، أحد قادة المعارضة الرئيسيين، وكان له دور فاعل في الجمع بين ائتلاف عابر للأديان وللتيارات السّياسية، يدعو إلى إعادة العمل بالدستور. اعتُقِل للمرة الأولى في العام 1995، وأمضى الأعوام الخمسة اللّاحقة بين السجن والإقامة الجبرية. تتحدث قصيدة ""لو كان لساني مقطوعًا" عن سجن الشيخ عبد الأمير ويردُ فيها تشبيه بنضال العباس من أجل الماء في معركة كربلاء. وهذا التشبيه عبارة عن مجازٍ شبه نموذجي للنّضال الصالح اليائس في الشعر الحسيني. لكنها تُصِر أيضًا على الأخوّة بين السنة والشيعة، في دعوات لإعادة الدستور:

لـــو كـــانَ لـسـانيَ مـقـطوعًا

لـنـمى و لـقـالَ هــو الـجمري

...

عــبــاسٌ لــــو طَــفـحَ الـظـلـمُ 

يـرمـي الـكـفينِ عـلى الـنهر 

...

أصـحـابُ عـلـيٍ قــد عــادوا 

ثــوريـيـنَ بــعـمـقِ الأســـرِ

...

شُــبــانٍ مــــن قــــد عـلـمـهم

الــدسـتـورُ الــحـل الــجـذري

(يُطلق بيت الشعر هذا سلسلة من الأسئلة حول شخصية الذي قدّم التّضحيات من أجل القضية الدستورية، والجواب عليها هو القائد المسجون)

...

لا شـــيــعــيــةُ لا سُـــنـــيـــةُ

أخـــــوانٍ نــبــقـى لـلـحـشـرِ
فــــــالـــــزلاقُ و الــــــحـــــد 

مِــثــلُ الــبِــلادي والـسِـتـري

(الحد والزلاق بلدتان ذات غالبية سنية، في حين أن سترة وبلاد بلدتان ذات غالبية شيعية)

...

يتم التّعبير عن هذه الدّعوة للوحدة من خلال هذه الأبيات: تتضمن هذه القصيدة الإشادة بالزعيم المسجون بأسلوب سلس مع إشارات إلى تاريخ الشيعة والدعوة إلى معارضة وطنية موحدة. وفي حين تشير بعض أجزاء القصيدة إلى التّاريخ، إلا أنّها تتضمن تحديًا وتأكيدًا مستمريّن على الحاجة إلى مستقبل دستوري. القصيدة عبارة عن سجل زمني لفترة حديثة جدًا من تاريخ البحرين، لم يُكتب عنها سوى القليل، ومع ذلك فهي ما تزال اليوم مهمة جدًا بالنسبة لنا.

لم ينشر غازي الحداد سوى مجموعة شعرية واحدة - ديوان الحزن المعشوق (2006)، وهي مجموعة من القصائد الدينية في المقام الأول، ويتوفر الكثير من شعره الديني، والتي سوف يتذكرها البحرينيون بشكل كبير، عبر الإنترنت حيث توجد ثروة كبيرة من نتاجه .

في الأسبوع الماضي، حلّ الحزن على مجتمع الشعراء في البحرين. بالنسبة لي، شعرتُ أن الترجمة أفضل طريقة للتّذكر. ولعلّ أكثر ما تأثّرت به من بين ما قرأته كان القصيدة التّالية لزهراء المتغوي، والتي وصلني  خبر وفاته عبرها. وداعًا غازي.

أحتاجُ قاموسًا من التبيانِ

وفتيل تصويرٍ ، وبعض معاني

أحتاجُ كلَّ الأبجدية ، في فمي

شعرٌ ويستعصي على الأوزانِ

لأقودَ في يوم الرثاء قوافلا

للدمعِ ، حين قيامة الأحزانِ

عن شاعرٍ ملك القلوب مودّةً

لهفي لفقدِ الشاعرِ الإنسانِ

عن صوتِ (غازي) وهو يمطرنا ندى

وينثُّنا بالعطرِ والريحان

من صاغ في حبِّ الحسينِ ملاحمًا

تذكي لهيبَ الحزنِ كالبركانِ

قلنا : غدًا يأتي وينثر ظلّه

ويشنّف الآذانَ بالألحان

لكنّ سهم الموتِ أفجعنا به

لندور وسط متاهةِ الحرمان

ونودّع الإبداع يوم رحيله

(غازي) القلوب وفارس الفرسانِ

خالص التعازي لذويه وأحبته وجميع شعب البحرين في هذا المصاب الفادح.

وداعًا غازي القلوب !

النص الأصلي