إميل نخلة: نحو عقد اجتماعي جديد في الدّول العربيّة

من انتفاضة الشعب البحريني في العام 2011 (أرشيف)
من انتفاضة الشعب البحريني في العام 2011 (أرشيف)

إميل نخلة - موقع responsiblestatecraft الأمريكي - 2022-01-24 - 9:05 م

ترجمة مرآة البحرين

وفقًا للتّقرير السّنوي لمنظمة الديمقراطية الآن للعالم العربي Dawn للعام 2021،  تُواصِل شعوب المنطقة "السّعي إلى الدّمقرطة واحترام حقوق الإنسان"، ويُشَكّل الحكم الدّكتاتوري ودعم الحكومات الأجنبيّة له عوائق أساسيّة في وجه الدّمقرطة.

نصّ العقد الاجتماعي القديم أنّه بإمكان الأنظمة الحُكم بما تراه مناسبًا طالما أنّها تُؤمِّن سلامة شعوبها ورفاهيّتها. هذه العقود فشِلَت بوضوح. لم تعد الأنظمة قادرة على الإيفاء بدورها في الصّفقة، ولم تُحَقّق تطلّعات الشّعوب.

منذ فترة طويلة، حان الوقت لعقد اجتماعي جديد، قائم على افتراضات مختلفة تستند إلى حقوق الإنسان ومقاربات عمليّة للدّيمقراطيّة والأمن الشّخصي والاستقرار. وفي حين تبقى الدّكتاتورية سمة عدد من الأنظمة العربيّة، أصبحت تُشَكّل بازدياد أثرًا متصلبًا من آثار الماضي. على القوى الخارجيّة المؤثرة -أي الولايات المتّحدة وبريطانيا فرنسا على وجه الخصوص- إعادة النّظر في دعمها للحكم الاستبدادي وإعادة تقييم ما إذا كان دعمٌ مماثلٌ يخدم فعليًا مصالحها.

خدمت الأنظمة الاستبداديّة المصالح القوميّة الأمريكيّة في بعض القضايا المهمة على مدى العقدين الماضيين، لكن، منذ ذلك الحين، تغيّرت الظرَوف في المنطقة على نحو كبير. فلقد تلاشَت صيغة المقايضة بين الغرب والأنظمة غير الدّيمقراطيّة.

والجانب الآخر من الدّعم الاستبدادي، الذي تمّ تجاهله دائمًا، هو أنّ الأنظمة الاستبدادية، في الوقت الذي تدعم فيه ظاهريًا المصالح الأمريكية، كانت تسعى على نحو محموم لتحقيق مصالحها أيضًا. ولطالما كان هدفها الأساسي البقاء في السّلطة، من دون التّعرض للمساءلة والمحاسبة، والتّحكم بالنّفوذ والولاية في مجتمعاتها.

لم يعد ممكنًا تبرير الدّعم المستمر من قبل واشنطن وغيرها من العواصم الغربيّة لهذه الأنظمة، إذ سيتعيّن على الغرب، بتجاهله لمُطالبَة الشّعوب العربيّة بالدّيمقراطيّة والحريّة والعدالة، أنْ يواجه أزمات  حقوق الإنسان في المنطقة وخارجها. ولم يعد بإمكانه الزّعم بأسلوب مقنع أنّ استمرار القمع ناتج عن غياب الثّقافة الدّيمقراطيّة في المجتمعات العربيّة.

على الرّعاة والحُماة في الخارج العمل مع الأنظمة المستعدّة والمجتمع المدني العربي لتطوير عقد اجتماعي جديد، شامل وموجّه نحو المستقبل، محوره الشّعب. وقبل اطّلاعنا على تفاصيل الاتفاق المُقتَرَح، لِنُعِد النّظر في مصلحتين قوميتين أمريكيتين استراتيجيتين، ساعد الحكام المُستَبدّون العرب الولايات المتحدة على التّرويج لها، في مقابل دعم واشنطن لطغيانهم.

الإرهاب

منذ الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، عملت وكالات الأمن القومية الأمريكية على نحو وثيق مع المستبدين العرب ضدّ المنظّمات الإرهابيّة، بما في ذلك القاعدة وطالبان والجماعات الإقليميّة التّابعة للقاعدة، وتنظيم الدّولة الإسلاميّة أو داعش، وغيرها من الجماعات في آسيا وأفريقيا والشّرق الأوسط ومناطق أخرى. وقدّمت وكالات الاستخبارات في عدد من الدّول العربيّة المعلومات وتحليل السّياق بشأن الجماعات الإرهابيّة والأفراد المُشتَبه بتورّطهم في التّخطيط لهجمات إرهابية تستهدف الولايات المتّحدة وحلفاءها.

بعد عشرين عامًا على أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول قائمًا، لكّنه تضاءل بشكل كبير. اكتسبت الوكالات الأمريكية للأمن القومي في الولايات المتحدة خبرة مُكثّفة بشأن هذه الجماعات وقدرات هائلة على تعقبها والقضاء على زعمائها وإضعاف عمليّاتها. ولم يعد دعم الأنظمة الاستبدادية، على الرّغم من التّرحيب به، أساسيًا كما كان في السّابق. وفقد تسامح الدّكتاتورية مع صفقة المعلومات بريقه وفائدته.

الحروب في العراق وأفغانستان

وصلت الحروب التي قادتها الولايات المتّحدة في أفغانستان منذ خريف العام 2001، وفي العراق منذ ربيع العام 2003، إلى نهايتها على كلّ المستويات والأهداف. في العقدين الماضيين، استندت الولايات المتحدة بشدّة على حلفائها العرب المستبدّين في شنّ هذه الحروب. وأكّد كبار صانعي السّياسات في واشنطن في تلك الفترة أنّ الدّعم الإقليمي كان أساسيًا لإكمال مهمة الحرب وخدمة المصالح الإقليميّة الأمريكيّة الاستراتيجيّة العامّة.

وفي حربها العالميّة ضد الإرهاب، ومع تصميم واشنطن على تنمية دعم الحُكّام العرب لمهمّتها الإقليميّة، تجاهلت ظلمهم وقمعهم وفسادهم السّائدين والاعتداءات على حدودهم والطّائفيّة التّقسيميّة. وهُمِّشَت قضية حقوق الإنسان كليًّا. أرهب الحُكّام العرب شعوبهم باللّا عقاب. ونتيجة لذلك، سُجِن عشرات آلاف المعارضين السّلميين العرب على خلفيّة تهم زائفة في مصر والسّعوديّة والبحرين ودول أخرى.

قبِلَت الولايات المتّحدة رواية هذه الأنظمة بشأن الاستقرار الدّاخلي ومزاعمهم الزّائفة بأنّه يمكن تحقيق استقرار مماثل فقط عبر القيود المفروضة على حرية التّعبير في الدّاخل. لكنّ العلاقات بين المستبدين العرب والولايات المتّحدة لم تكن يومًا متكافئة. إذ إنّ ما حصلوا عليه من واشنطن يفوق كثيرًا ما قدّموه لها. ومع نشر الجيش الأمريكي في غالبيّة تلك الدّول، عزّزت الأنظمة قبضتها على الحكم بمباركة من أمريكا، الّتي زوّدتها أيضًا بالقوى للدّفاع العسكري.

نحو عقد اجتماعي جديد؟

استنتج العلماء العرب، في داخل المنطقة وخارجها، انهيار العقد الاجتماعي بين الأنظمة العربيّة وشعوبها. إذ إنّ شعوب المنطقة في غالبيّـتها، على الرّغم من الثّروات الهائلة للحُكّام، أكبر عددًا، وأصغر سنًا وأكثر فقرًا، وتفتقر إلى تكافؤ الفرص في التّعليم. وهي تعاني بشكل كبير من نقص الرّعاية الصحية وانعدام المستقبل الواعد. ويعيش عدد كبير منهم في ظروف غير صحيّة وبيئة ماديّة متدهورة.

وفي حين توجّهت بقيّة العالم نحو التكنولوجيا والابتكار ومشاريع خلق فرص العمل وريادة الأعمال، فإنّ العالم العربي، على النّقيض من ذلك، لا يزال خاضعًا لنظام هرمي متحجر لدولة قوميّة، يتزّعمه حكام لا يخضعون للمساءلة، وشعوب مناضلة. مع ذلك، ووفقًا لتقرير منظّمة الديمقراطية الآن للعالم العربي، لا تزال هذه الشّعوب تتوق إلى حكم ديمقراطي خاضع للمساءلة، وإلى حقوق الإنسان.

يبدو أنّ عقدًا اجتماعيًّا جديدًا سيُشَكّل السّبيل الواقعي الوحيد باتّجاه استقرار محلي وإقليمي حقيقي. ويقول العلماء العرب إنّه، ليصبح هذا العقد قابلاً للتطبيق، عليه أن يشمل جهات أجنبيّة فاعلة مؤثرة -وخاصة الولايات المتحدة، والقوى الاستعمارية الأوروبية السابقة - ومنظّمات المجتمع الشرعيّة والأنظمة والقطاع الخاص، وخاصة كبار المُوَظّفين ومؤسسات التّعليم والتّدريب. ومع بدء الأطراف المختلفة العمل على العقد الاجتماعي المُتَصوّر، يجب أن تكون المصالح الرّئيسة للّاعبين الأكثر أهمية، والخطوط الحمراء التي لن يتخطّوها في حماية هذه المصالح، واضحة. على البراغماتية والدّمج والواقعيّة والتسوية تعزيز المناقشات الّتي تؤدي إلى تحديد أهداف قابلة للتّحقيق ومعايير لبناء الثقة على طول الطريق.

على العقد الاجتماعي الجديد أنْ يحاولَ تحقيق نتيجة مُربِحة لكلا الطّرفين، وتجنّب نموذج يربح فيه طرف على حساب الآخر، ويجب أن يتضمّن الافتراضات الأساسية التّالية:

  • الأمر لا يتعلّق بمسألة بقاء الأنظمة الأنظمة القائمة أو زوالها، بل بالمشاركة الحرّة للجماهير في العمليّة السياسيّة عبر انتخابات نزيهة وحرة.
  • يجب تمويل شراكات بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني، تُرَكّز على استثمارات تنظيم المشاريع ومبادرات خلق فرص العمل وطنية من قبل أصحاب العمل الرئيسيين والحكومات والمانحين الأجانب.
  • المبادرات التّعليمية والتّدريبية الرّئيسة، الهادفة إلى تنمية جيل من الشّباب - رجالاً ونساءً - مُجَهّز تجهيزًا كاملاً للعمل في الاقتصادات القائمة على التكنولوجيا في القرن الحادي والعشرين.
  • على الشّركاء في العقد الاجتماعي أيضًا تمويل مشاريع كبرى لتعزيز البيئات الصحيّة ووقف التّدهور البيئي في جميع أنحاء المنطقة.
  • وقبل كلّ شيء، على العقد الاجتماعي الجديد أن يُرَكّزَ على كرامة الإنسان، وسيادة القانون، وتكافؤ الفرص، والانسجام الطّائفي والعرقي.

بإمكان العقد الاجتماعي المُتَصَوّر النّجاح في حال قبلت الأنظمة المساءلة، وفي حال استعداد معارضي النّظام للقبول بجزء من مطالبهم كخطوة أولى. لطالما نصح المدافع عن العدالة الاجتماعية، البحريني الرّاحل جاسم مراد، المعارضة بقوله "خذوا ما بوسعكم واطلبوا المزيد". لن تنجح مطالبة النّظام بنسبة 100 في المئة مسبقًا". وللأسف، أثبت الصّراع الطّائفي الدّموي المستمر في تلك البلاد الحكمة الكامنة في كلماته. 

النص الأصلي