عباس المرشد: تشويه الأجساد والقتل البطيء في سجون البحرين

عباس المرشد - 2022-05-16 - 5:37 ص

في الوقت الذي يقضي فيه الملك وأبناؤه رحلاتهم الترفيهية على حساب موازنات الدولة، يعمل العقل الأمني على تنفيذ استراتيجية تشويه أجساد المعتقلين وقتلهم ببطء، ومن ثم إطلاق سراحهم كتذكير بقوة قمع جهاز المقمع وبطشه. إذن هو تذكير يعكس سوء الأخلاق ونفسية المتلذذ بإيقاع الأذى وتحقيق رغبة الانتقام. فعلى ندبات المعتقلين وتجهيزهم كجنائز مؤجلة يقضي أفراد جهاز السلطة أوقاتهم السعيدة وممارسة هواياتهم في عواصم الدول الغربية دون اكتراث.

في القرون الوسطى كانت تقنية التعذيب تعتمد على تشويه الأجساد وإحداث أكبر عطب فيها بحيث يكون ضحية التعذيب فاقدا للحركة وموقنا بقرب موته، ولكي يذكر أمن السلطة بقوته وسلطته وتحكمه بالأجساد كان التعذيب يحدث في الميادين العامة ويركز على إحداث العاهات والندبات التي لا تزول عن الأجساد كعلامة على قوة الجهاز السياسي وقوة ضبط المجتمع. من المؤسف أن هذه الاستراتيجية هي التي تسود حاليا في البحرين وأن يكون العقل الأمني مصرا على تنفيذ استراتيجيات تعذيب القرون الوسطى ونحن نعيش عصر القرن الواحد والعشرين. في صور المفرج عنهم من المعتقلين التي تتناقلها وسائل التواصل الاجتماعي وتغفل عنها وسائل الإعلام الرسمية والمستاجرة، ثمة رسالة واضحة يريد العقل الأمني إرسالها لقوى المجتمع المعارض وللمواطنيين، قوامها أن السياسة والمعارضة مصيرها التشويه والقتل البطئ ولهذا يحرص العقل الأمني على تكرار جريمة التشويه والقتل البطئ دون رحمة أو شفقة.
المطلعون على طبيعة العلاقات التي تربط جهاز السلطة بالبحرين بأجهزة الدول الأخرى يعرفون دقة تنفيذ التوجيهات المرسلة لتلك الاجهزة وحرص الأخيرة على تنفيذها بدقة عالية وهذا يضع المجتمع الدولي أمام جريمة حقوقية لا تنفع معها تخريجات اللجنة الملكية المستقلة التي أرساها الراحل السيد بسيوني وحفظت ماء وجه جهاز الملك من المساءلة الحقوقية والسياسية. ففي دولة صغيرة وحكم مركزي استبدادي كالبحرين لا يمكن تصور خروج أحد على النص المكتوب او المرسوم له من قبل الجهات العليا بما في ذلك تنفيذ استراتيجية تشويه أجساد المعتقلين واعطابها وتجهيزها كجنائز مؤجلة.
وعلى ضوء هذه العلاقات الداخلية وطبيعة الهرمية السائدة فيها يوفر العقل الأمني حماية مطلقة لكل عملائه من حارس الزنانة إلى القاضي الذي يستجيب لورقة الأحكام التي يجب عليه قراءتها أثناء نطق الحكم دون أن ينظر إلى جسد المعتقل أو أن يعاين ندبات التعذيب المميت في جسده. هي حماية لذات الجهاز الأمني، وحماية لجهاز الجهات العليا، وحماية للمشروع السياسي الذي يوفر فرص البقاء في سدة الحكم، وبالتالي فإن المسؤولية الأخلاقية والسياسية لا يمكن تجزئتها كما فعل السيد بسيوني ولا يمكن إهمال الإفلات من العقاب كسياسية حمائية توفر غطاء سياسيا وحقوقيا لاستراتجية تشويه الأجساد والتقل البطئ.
في فعل التواطؤ ذاك تبرز أمامنا مجموعة أدوات إضافية هي جمهور حفلات التعذيب في القرون الوسطى التي تحدثنا عنها، فتشويه أجساد المعتقلين وإعطابها يحدث أمام حقول الصحافة والمؤسسات السياسية كمجلس النواب والشورى ومؤسسات حقوقية رسمية ومؤسسات يفترض فيها الرقابة على عمل أجهزة العقل الأمني. وليس مدهشا أن تصفق تلك المؤسسات وتلك الحقول المستأجرة لأفعال لاجهاز الأمني وتطلب منه المزيد من المتعة. ومن المخجل أن تكون هذه المؤسسات شريكة في الجريمة بل من المخجل أن تقبل لنفسها تأدية أدوار قذرة كالتي تمارسها بوعي منه. أمام ذلك علينا أن نتذكر حفلات الزار التي كان جهاز الملك يباركها في فترة فرض الأحكام العرفية في 2011 وكيف كان أولئك القذرون يباركون كل أعمال البطش والقتل خارج القانون.
في الضفة الأخرى يقرأ المواطنون رسائل العقل الأمني بوعي ثاقب ورباطة جأش لا مثيل لها ويردون على تلك الرسائل برسائل أقوى سياسيا. رسائل تقتل متعة العقل الأمني بالانتقام والتشفي، رسائل تضع الجريمة في موقعها الصحيح وكما ينبغي لها أن تكون كسجل أسود وكجريمة تعذيب لا تسقط بالتقادم. هذا المائز الأخلاقي هو الذي يفصل تخوم جمهور المعارضة حسنة الأخلاق وجماهير السلطة المرتزقة سيئة الأخلاق. فجمهور المعارضة يقف على أرضية صلبة من الرؤية والوعي ليعرف أن وعود الإصلاح وشعارات تحسين الأوضاع وسياسات التذكير بالقوة والبطش فاقدة القيمة.

*كاتب وباحث من البحرين.