إعادة حكاية سعيد الحمد في اليوم الأخير من حياته..

2022-06-22 - 7:39 ص

مرآة البحرين (خاص): حتى وقت دخول قوات درع الجزيرة إلى البحرين في مساء 14 مارس 2011، كان سعيد الحمد مجرد صحفي وكاتب مقال عادي. وظيفته انتظار مقالات كتّاب صحيفة "الأيام" لتصله عبر الفاكس أو الايميل، يحملها لقسم الصف والإخراج، وينتظرها كرقيب مؤتمن على سقف الحرية، يُمهرها بتوقيعه ثم يعود لمنزله. هكذا هي الحكاية اليومية لمسيرته الصحافية، ويمكن معها إضافة تناول "ريوّق" في مكتبه مع لفيف من الليبراليين الجدد "منزوعي الكافيين"، ومعرفة آخر الوشايات هنا وهناك.
كان هكذا، كان دائمًا: هامش صغير في بلاط صاحبة الجلالة، لا تجد له سبقا صحافيا، ولا حوارا استثنائيا، ولا مقالًا متقناً.
بعد دخول القوات الخليجية للبحرين وقمعها الوحشي للمطالبين بالحرية والديمقراطية، جاءته الفرصة ليلعب دور المهرج مقدم الوصلات الترفيهية قبل صدور أحكام الإعدام، وتقديم فواصل تسبق ظهور المعتقلين في اعترافات قسريّة مصورة يعرضها في برنامجه (حوار مفتوح مع سعيد الحمد) الذي خصصه له فواز آل خليفة، ونبيل الحمر في وزارة الإعلام.
بأسلوب شعبوي مبتذل، رفّه عن كبار القوم في فترة فرض قانون الطوارئ (السلامة الوطنية)، وكان لسان المتعطشين للانتقام من المواطنين الذين تجرأوا على معارضة الحكم الاستبدادي.
كان الجمهور المستهدف من برنامج سعيد الحمد هو الشارع الموالي وحده، وجد مشغلوه أنه من الضروري إبقاء هذا الشارع مستفزاً ضد الحركة الاحتجاجية مقاوماً لها. يعلم النظام أن القشة التي تقصم ظهره هي وحدة الشارعين حول المطالب، وأن نجاته منها تكمن في تعميق الانقسام وإظهار الطائفية.
لا تنحصر الأمثلة للبذاءات التي قدمها الحمد، ولا إهداره للحياة الشخصية لكثير من الناس، لقد ظهرت موهبته في الإيقاع والغدر بمن أكل وشرب وعمل معهم. فلذلك خصص حلقات ضد الصحافيين الذين أعلنوا انحيازهم لمطالب الحراك الشعبي.
ومن تلك الحلقات، حلقة ضد الكاتب والإعلامي جواد عبدالوهاب، كما هاجم الصحافي عادل مرزوق مرارًا، والكاتب الدكتور علي الديري، وآخرين كانوا زملاء مهنة معه.
وعرض اعترافات قسرية صوّرت في أروقة وزارة الداخلية للطالبة آيات القرمزي، وهاجم الدكتور علي العكري، والدكتور غسان ضيف، وكذلك استهدف رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين سلمان المحفوظ الذي قُتل ابن عمّ له بعد فترة من مهاجمته في برنامج الحمد. لقد أظهر تمامًا شخصية المخبر الصغير التي كانت مخبأة بداخله طوال الوقت.
في تقرير رصد نحو 7602 مادة إعلامية هي حصيلة خطاب الكراهية والرسائل التي تحرض أو تساعد في التحريض على الكراهية ضد المدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء السياسيين والمواطنين البحرينيين والمؤسسات الحقوقية الدولية خلال العام 2018، كانت حصة سعيد الحمد منها 35 مادة نشرها في جريدة الأيام.
كان برنامجه الراصد مكان اتهام من قبل لجنة تقصي الحقائق برئاسة بسيوني، حيث أكد تقرير اللجنة مساهمة تلفزيون البحرين والإعلام الرسمي بشكل عام في نشر الطائفية بين المواطنين بدعم من السلطات.
لقد كان (سعيد) يستلم المواد الإعلامية عبر ممثلي وزارة الداخلية، وجهاز الأمن الوطني، ومن عند فواز آل خليفة وزير شؤون الإعلام آنذاك، ومن مستشار الملك الاعلامي نبيل الحمر، ومن سميرة رجب.
ظل يعمل بعد فترة قانون الطوارىء من غرفة داخل وزارة الإعلام أسموها لاحقا قناة الاتحاد، لكن في العام 2015 تحطمت آماله عندما انتهت حكاياته الواشية عن زملاء المهنة، كما إن البحرين دخلت في خطة تقشف اقتصادي، فتم إغلاق الغرفة وإعادته لمكتبه في مقر صحيفة الأيام.
حصل على رشاوى بعضها علني مثل قصة إهدائه سيارة جديدة على الهواء من قبل أحد أفراد العائلة الحاكمة، لكنه ظل على الدوام كعامل رخيص في انتظار أي زيادة جديدة تأتيه من رب العمل.
رغم كل شيء فعله، لم يستطع الحمد اختراق الشارع المعارض، بل حوّله هذا الشارع بذكاء إلى (مسخرة) ومادة للضحك على أدائه الشعبوي، وعمِد كثيرون إلى إنتاج مواد فلمية متنوعة للتعبير عن السخرية منه ومن برنامجه، ولكن المعارضين من أبناء البحرين صنفوه أيضًا كواحد من واجهات خطاب الكراهية الموجه ضدهم.
بقي سعيد الحمد يقتات ويعتاش على حسابه عبر موقع التواصل الاجتماعي تويتر، في مهاجمة المعارضة ومحاولة تسويق نفسه من جديد، لم يكن يملك الإمكانيات والمواهب اللازمة ، لذلك بقي التفاعل معه محدوداً، وظلت مقالاته كما كانت من قبل غير مقروءة، حتى إن آخر رصد أعدته رابطة الصحافة البحرينية عن مدى ولوج الصحافيين المستقلين لمقالات كتّاب الموالاة، كانت نتيجته: صفر.
هكذا انتهى كل شيء، وانتهت قصة سعيد الحمد يوم الثلاثاء 21 يونيو 2022، لم ترثه إلا سوسن الشاعر وربّ عمله نبيل الحمر.
انتهت الحكاية، بعد أن انطفأت منذ زمن.