التعليق السياسي: حملة ناجحة

أراد ملك البحرين أن يجعل من زيارة البابا ترويجاً إلى صورة زائفة عن نفسه فارتدّ عليه الأمر بشكل معاكس
أراد ملك البحرين أن يجعل من زيارة البابا ترويجاً إلى صورة زائفة عن نفسه فارتدّ عليه الأمر بشكل معاكس

2022-11-04 - 6:13 ص

مرآة البحرين (خاص): انتكاسة بل فشل ذريع منيت به مساعي حكومة البحرين في استغلال زيارة البابا فرنسيس لتلميع سجلّها القاتم وتصوير نفسها بأنها حاضنة للتسامح والتعددية الدينية. فمن يشاهد تغطية وكالات الأنباء ووسائل الإعلام الدولية لحدث وصول البابا يعرف تماماً حجم هذا الفشل وأين أصبحت الوجهة.

لقد نجحت حملة المعارضة البحرينية الاستباقية في إدخال همومها على جدول زيارة البابا فرنسيس ومنع النظام من الاستفراد به وجعله غطاءً لانتهاكاتها. وفي المقابل اضطر الإعلام الحكومي "النائم" إلى الدخول على الخط ولكن متأخراً جداً ليجد نفسه في موقع الدفاع بعد أن وقع الفأس في الرأس.

خلق الإعلام المعارض والمجتمع الحقوقي موجة تراكمية تدرجية وصلت إلى أهم منافذ الإعلام والصحافة الدولية ما جعل البابا يتطرق في كلمته إلى ضرورة احترام حقوق الإنسان وإلغاء الإعدامات ووقف التمييز الديني والطائفي تماما مثلما ينص على ذلك الدستور البحريني. نتيجة لذلك  فقد كان المانشيت الرئيس يوم الأمس واليوم في وسائل الإعلام العالمية عن حقوق الإنسان والتمييز ضد شيعة البحرين وليس كما خطط له النظام بأن تكون الزيارة فرصة لتقديم نفسه على أنه راع للتعددية الدينية.

وكانت كلمة البابا أكثر مما توقعه أشد المتفائلين من الزيارة فحتى أعضاء المجتمع الكنسي في الخليج مثل الأسقف بول هيندر كانوا يتوقعون أن تكون نصائح البابا - إذا وجدت - في الجلسات الخاصة. لكن البابا اختار الجهر بمواقفه علانية بعد أن شاهد موجة متصاعدة تتطرق إلى انتهاكات النظام البحريني خصوصاً أن هناك 60 صحفيا رافقوه على متن الطائرة بعضهم يغطي الأنشطة البابوية منذ السبعينات.

بل أن البابا ذهب إلى أبعد من ذلك في الحقيقة فقد تطرق إلى حرب اليمن الظالمة التي تشارك فيها البحرين قائلا بصراحة "أتوجه بتفكير خاص وصادق إلى اليمن المعذب من حرب منسية، ومثل كل حرب، لا تؤدي إلى أي نصر، بل فقط إلى هزائم مريرة للجميع [...] وأناشد: لتسكت الأسلحة، ولنلتزم في كل مكان وبصدق من أجل السلام". قال البابا كل ذلك في ظل حضور الملك الذي أرسل ولديه مع طائراته للاعتداء على شعب اليمن وتجويعه بل أنه صرح بانه "يصلي من أجل المدنيين اليمنيين والأطفال وكبار السن والمرضى".

النشاط المعارض لم يقتصر على البلاغات الإعلامية بل تم تسليم البابا خطابات بشكل رسمي من جهات بحرينية معرّفة تشرح له أوضاع البلاد وحجم الظلامة الواقعة على طائفة كبيرة كان قد التقى في العام الماضي فقط مرجعها الأعلى في النجف. في موازاة ذلك فقد فشل النظام في استدعاء أي زعامة شيعية محلية أو إقليمية وازنة إلى المناسبة واقتصر الأمر على نفس العمائم المنبوذة التي يجيد تحريكها كيف يشاء واعتاد جلبها في مناسباته.

الحال أنه بدلاً من التمتع بتغطية إيجابية وجد الإعلام الحكومي "النائم" والمتحدثون الرسميون أنفسهم منشغلين في الرد على قناة الجزيرة والقنوات الأخرى وإجابة أسئلتهم المكثفة التي تتطرّق جلّها إلى انتهاكات حقوق الإنسان واضطهاد الشيعة. بل اضطر الملك البحريني نفسه إلى الخروج بتصريح بعد منتصف الليل للتعليق على كلمة البابا وللقول إن "البحرين حريصة على حقوق الإنسان وصيانتها والالتزام بها".

 بدا الإعلام الحكومي "النائم" متخبطاً ومستفزاً بشدّة وكان ظهور مراسل صحيفة "البلاد" المجنس اليمني إبراهيم النهام على قناة "بي بي سي" من أشدّ الإطلالات بؤساً ومدعاة للشفقة. فقد بلغ استفزازه حدّ التبجح بجهله الفاقع حين قال "أصحح لك البحرين مملكة وليست دولة" فردّ عليه مذيع "بي بي سي": "شكراً للتصحيح لكن المملكة دولة برضو" ليغدو بذلك أضحوكة جهالته المركّبة.

لقد أراد النظام البحريني أن يجعل من زيارة البابا ترويجاً إلى صورة زائفة عن نفسه فارتدّ عليه الأمر بشكل معاكس تماماً حيث كانت الزيارة فرصة سانحة للمعارضين ليشرحوا موقفهم أيضاً. الدبلوماسية التي صرف عليها الملايين وتكتيكات التقرب من المؤسسات الدينية في العالم لأهداف دعائية مثل تدشين "كرسي الملك حمد للتعايش" في جامعة إيطالية وإنشاء "مركز الملك حمد للتعايش" كل هذه الأشياء تبخرت في قصر الصخير أمس بعدما دوت كلمات البابا كقنبلة توزعت شظاياها على شاشات العالم واحتلت مواقع الصدارة في وكالات الأنباء.