علي صالح: رسالة إلى راشد بن عبد الله آل خليفة... وزير داخلية البحرين

2024-10-10 - 5:07 م

هذا الملصق كان مثبّتا على باب بيتنا منذ 18 عاما، أي منذ حرب تموز عام 2006. مع إعادة ترميم بيتنا، اضطررنا لقلع الباب لكن أختي تنبّهت للملصق فرفعته مثل ورقة مقدّسة ثم أعادت تعليقه في مكان آخر، وهكذا بقي محفوظا في بيتنا حتى هذا اليوم.

لقد عزّ علينا جميعا هذا الملصق، لأننا كنا نصطبح به كل يوم، فاحتفظنا به دونا عن أي شيء آخر. لقد بات جزءا من ديكور منزلنا الحديث، ليس لقيمته التاريخية ولا الجمالية، بل لصاحب الصورة فيه، فقط وفقط.

نعرف تماما يا راشد أنّكم كمشيخة حاكمة تكرهون هذه الصورة وتغارون منها، لكننا لا نفهم لماذا؟

ولكن، ما يحيّرنا اليوم، ونحن الجماعة المستضعفة حد الإذلال، هو أن تستكثروا علينا أن نحزن؟ لماذا تمنعون حتى البكاء؟ لماذا صار الحب في قلوبنا جريمة سياسية؟!

وسط الصالة وقفت أختي مذهولة وهي تفتح التلفاز على قنوات الأخبار للمرّة الأولى، علّ ما وصلها على الهاتف إشاعة كاذبة. رمقتني بنظرة من الغضب والاضطّراب وهي تسألني بغصّة: هل قتلوا السيّد فعلا؟

نحن نحبّه يا راشد أكثر من أي شيء آخر في هذا الدنيا. نحن متّفقون على حبّه. كم فريد هذا الحب "الجمعيّ" في عالم اليوم. أنا مصاب بالذهول من حد الحقد الذي وصلتم إليه في بلدنا، لم نعد نملك حتى حق التعبير عن من نحبّ بعد مقتله!

أبلغ الملك بأنه لن يستطيع بما يفعل أن يخرج حبّه من قلوبنا مع الأسف. في المتخيّل الديني والتاريخي، يغوص المؤمنون في حب الأنبياء والأئمة والأبطال والشهداء، دون أن يروهم أو يعرفوهم، أمّا حبّنا له فهو خارج المتخيّل. لقد عشناه واقعا جميلا، لم نعرف سواه، غيبا مطلقا في صورة رجل.

لا تحملنا قلوبنا أن نراه يتحوّل إلى تاريخ. لقد كان الواقع المثالي الوحيد في حياتنا. لقد كان التجسيد الوحيد للقيم والمعنى في وجودنا.

ليس لدي أمل بالطبع في أن تلق هذه الرسالة أي صدى لديك، ولا أن يكون لها أثر يحرّك شيئا ما في ضمائركم كطغمة حاكمة. لا شك لدينا أنكم في الخليج مشتركون في دمه يا راشد، أنت وعائلتك. لقد كان هذا مناكم وحلمكم، وقد نلتم منه، وكأنّكم نلتم منّا جمّيعا في ضربة قاضية. لا شك أبدا أن هذا يوم للفرح لا الحزن بالنسبة لكم. ربّما لا تريدون أن يعكّر أحد صفاء هذا "العيد" عليكم.

قلتم لنا، لا تفرّطوا في نعمة الأمن والأمان، أي تبّا للكرامة، تبّا للشرف، تبّا للعروبة، تبّا للدين، تبّا للشّفقة، تبّا لفلسطين، وتبّا لكل الأحرار والمضطّهدين. ما دخلنا بهم، قضيّتهم ليست قضيّتنا. قلتم لنا إن ذلك يناقض الوطنية، والولاء، والسعي للسلام.

تريدون أن تجعلونا مخدّرين عاجزين لا نهتم سوى بتفاصيل حياتنا اليومية، التي نريد أن نعيشها بشكل طبيعي، آمنين مستقرّين مع أطفالنا وأزواجنا. ما دمنا نأكل ونشرب مرفّهين منعّمين، فما حاجتنا للتفكير في الآخرين؟ ما الحاجة لأن نحس بأنّنا أعزاء كرماء؟

لقد حوّلتم محبّة حزب الله ونصر الله إلى تهمة، نخاف أن تتلبّسنا. صار تعظيمه وتقديسه "دعما للإرهاب"! ولم تتركوا في القلوب متّسعا للرّحمة، ولا للعروبة، ولا الدّين طبعا. إذا كان البعض من معارضي الكيان الغاصب يكيدون للرجل ويشمتون باستشهاده، فكيف بكم أنتم!

في العام 2000، وبعد انتصار حزب الله على إسرائيل وطرد جيشها من الجنوب اللبناني، قال لي أحد الأصدقاء السنّة "من قال إن حزب الله هو لكم فقط؟". لا شك بأن الرجل اليوم يحمد الله تعالى بأنّه لم يكن شيعيا.

مم تخافون يا راشد؟ على ماذا تمنعوننا أن نبكي ونحزن وننعى "سيّد الشهداء" الشهيد الأقدس في تاريخنا الحديث والمعاصر؟ هل تظنّون أنّكم بذلك تحمون تاريخكم وسرديتكم و"مشيخاتكم"؟ هل تظنّون أنكم تقفون على الجانب الصحيح من التّاريخ؟

نخطرك هنا أيّها الوزير بأنّنا نعيش حزنا عاشورائي، لن يتوقف، لأنّنا في هذه اللّحظة رأينا الحسين يسقط أمام أعيننا. لا تستمع لمن يقول بأنّه كان مثل ما كان مالك الأشتر لعلي بن أبي طالب، أو مثلما كان العبّاس للإمام الحسين، لا، إنّه بالنسبة لنا عليّ هذا العصر، وحسين هذا العصر، إنّه نائب الإمام الحق!

يا له من جرح غائر، ويا لها من ظليمة. أن أخاطبك أنت يا راشد سليل العائلة المطبعة مع الصهاينة، ليس أملا في أن تسمح لنا بفتح المآتم للبكاء على حبيب قلوبنا، بل لأقول لك كم شعرنا بالقهر جراء ما فعلتم. كم ذبابة يجب أن تطير في وجه الملك لكي يحس بالخجل والعار؟

لا يهمّنا أن نعرف ماذا يغيظكم في الرجل (حتى قبل انتفاضة العام 2011 في البحرين و2015 في اليمن)؟ لا يهمّنا أن نعرف لماذا تبغضونه لهذا الحد؟ أنتم تكرهونه أكثر حتى من كرهكم لإيران، وأكثر من حبّكم لإسرائيل.

لا حاجة لأن تفهموا حبنا، ولكن هناك حاجة لأن نفهم كرهكم له؟ في الوقت الذي اتهمتم فيه جماعة بحرينية بالتدرب لدى حزب الله خلال عقد التسعينات، كان نصر الله يقدّم ولده شهيدا في معركة تحرير لبنان من الكيان الغاصب، فقل لي علام تبغضون الرجل؟

بالنّسبة لنا، نحن لا يهمّنا انتصار الحق، ولا تحرير الأرض، ولا قيام الدول. في الصراعات البشرية يموت الأبطال ويموت الخصوم، وتتبدّل الوجوه. حبّنا له خارج هذه المعادلة، كل ما كنا نريده هو أن نعيش في ظله الوارف، هو بالنسبة لنا أقدس من الأرض، وأقدس من الحرب.

لكن العيون عبرى، والصدور حرى، أيّها الوزيـــر، ألا فالعجب كل العجب لقتل حزب الله النجباء بحزب الشيطان الطلقاء.

في هذا الخليج "العربي"، أنتم مشيخات وممالك شاركتم متضامنين في سك وتصدير مفهوم "الصهيونية العربية" وتبنّيه من أرض الإسلام، أنتم وإسرائيل على جانب واحد من التاريخ، هو محور "الشيطان".
حالكم يا راشد اليوم، هو حال من شمخ بأنفه، ونظر في عطفه، حين رأى الدنيا له مستوسقة والأمور متسقة، وحين صفا له الملك والسلطان، فمهلا مهلا، والله ما فريتم إلا جلودكم، ولا جززتم إلا لحومكم.

فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تدرك أمدنا، ولا ترحض عنك عارها، وهل رأيك إلا فند، وأيامك إلا عدد، وجمعك إلا بدد، يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على الظالمين.

"اللهم خذ بحقنا، وانتقم من ظالمنا، وأحلل غضبك بمن سفك دماءنا وقتل حماتنا"


* كاتب بحريني

** منعت البحرين وعدّة دول خليجية أي ذكر علني للراحل الكبير سماحة السيد نصر الله، واستدعت مواطنين نشروا تغريدات أو بوستات عنه على وسائل التواصل الاجتماعي، وقالت لهم إن الترحّم عليه أو ذكر اسمه جريمة وتمجيد للإرهاب، ويقبع عدد من الناشطين خلف السجن بسبب تمسّكهم بما نشروه عن السيد الشهيد، كما منعت السلطات بالقوّة صلاة الجمعة والمظاهرة التي كانت ستخرج بعدها في الدراز، وكذلك أي محاولة لعقد مجالس عزاء على الراحل في المآتم والمساجد، أو حتى التعبير بالحزن من خلال لبس السواد. فضلا عن ذلك فرضت البحرين ودول خليجية رقابة صارمة على التحويلات إلى لبنان لمنع تقديم المساعدات لضحايا العدوان الصهيوني.