مرآة الغريبة

2024-10-30 - 12:47 م

مرآة البحرين (خاص): في التراث العربي يُضرب المثل بـ"مرآة الغريبة" في الحديث عن النصاعة والجلو والسطح العاكس للصورة التي تعطي حقيقة الوجه.

من تتزوج من غير أهلها، تكون غريبة لا أقرباء لها ينصحونها ويُنبهونها لأي عيب يطرأ في وجهها، فتكون حريصة على أن تستعين بمرآتها لترى وجهها وشكلها بصورة حقيقية، فهي الناصحة لها وهي التي تعطيها صورتها الحقيقية التي سيراها عليها أهل زوجها والناس.
هذا هو حال (مرآتنا) منذ أن اضطرتها الاختناقات السياسية، لتكون خارج وطنها غريبة مهاجرة مطاردة محظورة، تترصدها أجهزة الأمن، وتفتش عن الغريبة وهم هنا الكتاب والصحفيون وأصحاب الرأي الذين يعملون على أن تكون صحافتهم مرآة تعكس حقيقة قبح صاحب الجلالة وتقدم صورته معراة من الكذب والدجل والنفاق. أجهزة الأمن يريدونها أن تكون مرآة كاذبة تُجمّل صاحب الجلالة. في حين أنها تريد أن تكون صاحبة جلالة في ذاتها، حرة مستقلة، تعكس محنة الشعب وهويته وغربته في وطنه.
الغريبة هي نحن الذين لم نجد في صحافتنا البحرينية صورة تُجلي حقيقة وجه السلطة وفسادها، الغريبة هي أقلامنا التي تكسرت في دوار اللؤلؤة، الغريبة هي أنفاسنا المكتومة في وطننا.
لكن الغربة التي تحول بينك وبين وطنك وأهله، تجعل مهمة صقل مرآتك صعبة وعسيرة، كيف يمكنك أن تتواصل مع شعبك وتستمع إليه وتكون صوته ووجهه وحواسه، وبينك وبينه الخوف الذي يتهدده ويتهددك، والجغرافيا التي تقهرك، والأمنيات التي تجعلك قابعا في السر والخفاء والظل. لا اسم لك يألفه القارئ، ولا لقب لك يعرفه المتابع، ولا صورة لك تحفظها ذاكرة الناس الذين يقرؤونك خلف حُجب. أي غربة أشد من ذلك!
مع كل ذلك، تظل تعمل على صقل مرآتك، لتتغلب على علل الغربة هذه كلها، وأنت لا تعرف من أين تأتيك الضربة التي تخشى أن تكسرك.


اقرأ أيضا
المزيد...