رجل الإسناد الذي فقدته ثورة البحرين: الخسارة الأقسى منذ 2011
2024-11-05 - 2:12 م
مرآة البحرين :
كأنّ كتلة اللهب المتصاعدة عصر تلك الجمعة الكئيبة في الضاحية الجنوبية لبيروت كانت في المنامة، لم تكن أقلّ وقعاً وهي تشكّل غيمة سوداء كتمت أنفاس البحرانيين، وخنقت صدورهم بظلام مرعب.
عاش البحرانيون مشاعر اللبنانيين فصلاً فصلاً، بدءً من قلقهم ليلة السبت وسهرهم حتى الصباح انتظاراً لخبرٍ يطمئنهم على السيد، كانت تلك الليلة قاسية عليهم مثلما كانت قاسية على محبيه في كل مكان، وحتى إعلان خبر استشهاده ظهيرة يوم السبت.
بكى البحرانيون كما لم يبكوا منذ 2011، وأعلنوا مراسم الحداد كما لم يعلنوها منذ ذلك الحين، الكثير منهم لم يذهب لعمله في ذلك اليوم، وأحجمت العديد من العوائل عن إرسال أبناءها للمدارس في اليوم التالي، واتشح الرجال والنساء والأطفال بالسواد.
لخّص الشيخ سعيد السلاطنة حزن البحارنة بنداءاته المفجعة من مكبرات الصوت في أحد المساجد، وبشكل عفوي أخذ الناس يخرجون في الشوارع للمشاركة في مسيرات حزن وغضب، ويتبادلون التعازي.
كأنّها عاشوراء عادت مبكراً، يقول مواطن دوّن ملاحظته على وسائل التواصل، ليصف أجواء البحارنة عندما تحلّ بهم المصيبة، لقد أخرج البحارنة حزنهم المقيم الذي يتقنونه أكثر مما يتقنون مراسم الفرح.
نصر الله منّا أهل البحرين، هكذا يحسب البحارنة السيد حسن نصر الله عليهم، فالسيد خارج الجغرافيا، خارج أوراق الجنسية، وخارج الطوائف، وقد انعقدت علاقته مع البحرين على ودّ أهلها له، وإسناده لقضيتهم المشروعة.
لم يكن سماحة السيد مجبوراً على إسناد شعب البحرين، كان يعرف الثمن الذي سيدفعه على شخصه وحزبه وأهل بلده، لكنه اختار أن ينحاز لضميره الإنساني مثلما اختار الكثيرون من رجال دين وسياسيين وإعلاميين وكتّاب أن ينحازوا لغرائزهم الطائفية وأحقادهم الدفينة.
في 19 مارس 2011، أي بعد 5 أيام من إعلان ما يسمى بحالة السلامة الوطنية، بينما كان شعب البحرين يصرخ في الظلام كما وصفت قناة الجزيرة هذه اللحظة المريرة من تاريخ شعبنا، بدأ السيد إسناده ليبدّد ظلامها الدامس بسناء صوته الأجمل.
كان السيد جبهة إعلامية لوحده، صوت الثورة التي تكافح في المنامة من أجل أن يسمعها العالم، سرديتها التي يتجاهلها الإعلام والمنظمات والدول والشخصيات لدوافع مختلفة، كان يفتح الدُمّلة كما يقول، ويتساءل عنّا: أسأل البعض الذي يسكت عن الظلم اللاحق بإخواننا وأهلنا وشعبنا في البحرين، لماذا السكوت عن الظلم اللاحق بهم؟ لماذا السكوت عن حقهم في المطالبة السلمية بالحقوق؟
كان سماحة السيد يخطب من الضاحية ويبلسم جراح البحرانيين، لم يكن خطابه التاريخي ذاك عابراً، 13 دقيقة كانت كافية أن تكون لهم عوناً وسنداً وعضيداً، كان ملفنا يغرق في محيط دولي وبحر من الأولويات، لكنه ظل وفيّاً حتى النفس الأخير، يقتنص المناسبات لدعم شعبنا رغم فتور الأحداث وتوالي الأيام.
منذ 2011، استشهد كثيرون من أبناء شعب البحرين، رحلوا على الطريق وروداً أذبلها الوطن، كل شيء تغير في ذلك العام، ذهب الذين ذهبوا، ودخل الذين بقوا إلى السجن، وهاجر من هاجر، وبقيت المحنة تلاحق البقية الباقية، لكن الأشدّ على البحرانيين منذ ذلك العام، منذ أن عرفوا المحنة وكابدوا الألم: رحيل صوتهم وسندهم الأعزّ.