سردية رجل الإسناد لثورة البحرين: في البحرين مظلومية خاصة
2024-11-06 - 2:17 م
"مرآة البحرين" تنشر أوّل خطاب للأمين العام لحزب الله، الشهيد الأممي سماحة السيد حسن نصر الله، دعماً لثورة البحرين، بتاريخ 19 مارس 2011 -بعد 5 أيام من إعلان حالة الطوارئ-:
أمّا عن البحرين، اسمحوا لي أن أتوسع قليلاً نتيجة الإشكالية الخاصة في البحرين.
كلّنا شاهدنا ما جرى وما يجري في البحرين، وأنا أعتقد من خلال المتابعة التفصيلية والحثيثة لكل ما يجري في المنطقة وفي البحرين أن هناك توجد مظلومية خاصة.
البحرين كما تعرفون هي جزيرة صغيرة وشعبه لا يصل تعداده إلى المليون نسمة، وهو شعب مسالم ومظلوم، خرج ليطالب بحقوقه المشروعة بشكل سلمي وحضاري، ورُدّ عليه بالقتل، في اليوم الأول خرج مئات من الشباب ولم يخرج آلاف ولا عشرات الآلاف، وكان يُمكن بسهولة استيعاب هذا الحدث، كان يمكن لدعوة الحوار أن تتم مع عدم إطلاق النار على هؤلاء الشباب، وأن تبدي الحكومة حرصاً ودعوةً للحوار وتقوم بخطوات ترمم الثقة المفقودة مع قوى المعارضة في البحرين، ولكن الذي حصل أنه رُدّ على هذا التحرك الشبابي المتواضع في البداية بالقتل، وتحت القتل تمت الدعوة إلى الحوار، تحت التهديد بالقتل، قيل لهم تعالوا لنتحاور، ولكن الشعب في البحرين واصل مسيرته السلمية، وقابل الرصاص بالورود، وأكد على وحدته الوطنية وعلى إنسانية ووطنية تحركه، وعدم انتساب هذا التحرك إلى أي خلفية إقليمية أو طائفية، ولكن أُستعين عليه بالجيوش وليس بالشرطة أو بالبوليس، فقُتل مَن قُتل وجُرح مَن جُرح وأعتُقل مَن أُعتُقل.
هنا توجد مفارقة أيها الأخوة والأخوات، مفارقة عجيبة غريبة، أنّ جامعة الدول العربية والحكومات العربية أمام النموذج الليبي هناك شعب يُقتل ويُقصف بالطائرات وبالدبابات وبالكاتيوشا، وأمام مشهد العالم كله جامعة الدول العربية لم تُحرك ساكناً، لم تُرسل جيشاً بمعزل عما إذا كان الليبيون يريدون ذلك أم لا، لم تحرك ساكناً، ولم تُرسل جيشاً ليدافع عن مصراتة وعن أجدابيا وعن بنغازي وعن الزاوية وعن … وعن… وعن…، وهو شعب يُقتل والمدن تدمر، لم يُحرك أي ساكن، في البحرين أرسلت الجيوش لتدافع عن نظام غير مهدد بالسقوط أصلاً ، صحيح أن المتظاهرين كانوا يطرحون شعار إسقاط النظام، لكن أنتم تعرفون أن مظاهرات مسالمة في ظل أنظمة عربية من هذا النوع لا يمكن أن تُسقط نظاماً. النظام في البحرين لم يكن مهدداً بالفعل بالسقوط، والمعارضة في البحرين هي معارضة سلمية بحتة، لم تكسر زجاجاً ولم تحرق سيارةً ولم تعتدِ على ممتلكات عامة، ويُستعان عليها بالجيوش العربية.
هذه مفارقة عجيبة وغريبة، داهموا حتى المستشفيات واعتدوا على الجرحى. سمعنا أن بعض قادة المعارضة المعتقلين دُمرت بيوتهم، وبالمناسبة هذه الطريقة إسرائيلية، هذه طريقة إسرائيل، عندما يعتقلون أحداً في فلسطين من إخواننا الفلسطينيين المجاهدين يهدمون داره،…. في البحرين هكذا يعملون، ضاق صدر الحكام حتى من دوار اللؤلؤة فهدموه، حتى هذا الرمز هدموه، لأنهم لا يستطيعون أن يتحملوا.
لكن أقول لكم كل هذا يمكن الصبر عليه، لأن الوحشية هي من طبيعة الطغاة، وتقديم التضحيات هو من طبيعة المجاهدين، لكن المظلومية الأكبر هي محاصرة هذه الحقوق وهذه الدماء وهؤلاء المظلومين بحصار الطائفية البغيضة.
قبل أن أنتقد يجب أن أُوجه التحية إلى علماء السنة، إلى علماء السنة المسلمين في لبنان وفي العالم العربي والإسلامي، إلى الحركات الإسلامية السنية، لا بأس أنا مضطر أن أقول السنيّة، في لبنان وفي العالم العربي والإسلامي، إلى كل المواقف التي أخذتها أحزاب وقوى وشخصيات وطنية وقومية وعروبية، ويجب أن أقف بشكلٍ خاص أمام الموقف المميز والمعبر لرئيس وزراء تركيا الطيب أردوغان، نعم هذه البداية.
هنا أود أن أسأل البعض في العالم العربي والإسلامي، أن أسأل البعض الذي يسكت عن الظلم اللاحق بإخواننا وأهلنا وشعبنا في البحرين، “لا بأس أن نفتح الدمّلة قليلاً”: لماذا السكوت عن الظلم اللاحق بهم؟ لماذا السكوت عن حقهم في المطالبة السلمية بالحقوق؟ بل الذهاب أبعد من ذلك، إدانة تحركهم، إدانة هذا التحرك، اتهام هؤلاء الشهداء وهؤلاء الجرحى، هل فقط لأنهم شيعة؟ هل إذا كان الإنسان في بلدٍ ما ينتمي إلى دينٍ ما وإلى مذهبٍ ما يُسقط عنه حقوقه الإنسانية والمدنية الطبيعية؟
هذا هو السؤال، للأسف الشديد، هل انتساب غالبية المعارضة ـ وليس كل المعارضة ـ في البحرين إلى المذهب الشيعي، يجعلها معارضة مسلوبة الحقوق ومستباحة الدماء ومهدورة الكرامة، وتصدر في حقها الفتاوى وتُنشر في حقها الاتهامات؟ أين هو الحق والإنصاف في هذا؟
أيها الإخوة والأخوات: نحن جميعاً من المسلمين والمسيحيين، ومن السنة والشيعة، وقفنا إلى جانب الشعب الفلسطيني، ولم يكن يسأل أحد: ما هو مذهب الشعب الفلسطيني؟، نعرف أن في فلسطين مسلمين سنة ومسيحيين، لكن على أي مذهب من مذاهب السنة، لا أحد يسأل، ويمكن أن لا أحد يعرف أيضاً، لم يسأل أحد ما هو دين ومذهب شعب فلسطين، دين ومذهب شعب تونس، دين ومذهب شعب مصر، دين ومذهب شعب ليبيا، دين ومذهب شعب اليمن، ووقفنا جميعاً وليس في هذا منّة، هذا واجبنا جميعاً، أن ننصر المظلومين والمضطهدين، وفي المقدمة أيضاً وقفت إيران في أعلى موقع لها، سماحة الإمام الخامنئي دام ظله الشريف، في موقف عالٍ جداً وكبير جداً.. إلى جانب شعب تونس.. إلى جانب شعب مصر، إلى جانب اليوم شعب ليبيا، الموقف التاريخي لإيران إلى جانب شعب فلسطين، هل خلفيته مذهبية أما أن خلفيته إيمانية إنسانية أخلاقية، أليست هذه هي الحقيقة؟
أنا أستغرب كيف يدعو البعض ويقف ويقول يجب على أهل مصر أن ينزلوا إلى الشارع، ثم في ليبيا يقف ويقول لهم اقتلوا القذافي، ولكن عندما تصل المسألة إلى البحرين حيث لا يريد أحد في المعارضة أن يقتل أحداً، ينكسر القلم ويجف الحبر وتخرس الألسنة ويصبح الكيل بمكيالين.
بكل شجاعة اليوم أنا أريد أن أسأل وأنا لم أكُن في يوم من الأيام في وارد أن أقف لأتحدث عن نظام عربي هنا أو نظام عربي هناك، وأنتم تعرفون سيرة حزب الله خلال كل السنوات الماضية، ولكن أنا أريد أن أسأل: اليوم، ما هو الفارق بين نظام آل خليفة ونظام آل مبارك؟ ما هو الفارق بين نظام آل خليفة في البحرين ونظام آل القذافي في ليبيا ما هو الفارق؟ هل هناك ديموقراطية، هل هناك مراعاة حقوق إنسان، أم أن هذه أنظمة ممانعة لإسرائيل ولأمريكا؟ أنا أفهم عندما يكون هناك نظام ممانع ومقاوم وتحصل بعض المشكلات في ذاك البلد أن نقف ونقول لأهل ذلك البلد “طوّلوا بالكم” قاربوا المسائل بطريقة مختلفة، عالجوها بالحوار استعينوا بصديق، لا، التفتوا إلى هذه الأولويات، أم هذه أنظمة كلها من سنخ واحد، أنظمة تابعة، أنظمة خاضعة؟ كيف تتغير المكاييل في هذه الحال؟
على كل الأحوال، ما يجري في البحرين ليس تحركاً طائفياً وليس تحركاً مذهبياً وإنما هذا سلاح يستخدمه العاجز في مواجهة حق أي إنسان له حق، وهذا لن يثني على الإطلاق ولن ينال من إرادة الثائرين أو الأحرار في البحرين.
كلمتي للأخوة والأخوات في البحرين: لا تتأثروا بأصوات الطائفيين ولا تحزنوا من إعلامهم ولا من فتواهم لأن هناك علماء وأصوات كبيرة في العالم الإسلامي من إخوانكم أهل السنة يقفون إلى جانبكم ويدعمون حقكم. أقول لإخواننا وأخواتنا في البحرين: اصبروا وصابروا واثبتوا في الدفاع عن حقوقكم. أقول لهم (لأني أعرف الأشخاص): لديكم قيادة حكيمة وعاقلة وشجاعة في نفس الوقت فاسمعوا لها وانسجموا معها. إن دمائكم يا إخواني ويا أخواتي، إن دمائكم وجراحكم ستهزم الظالمين والطواغيت وستجبرهم على الاعتراف بحقوقكم المشروعة، وما أنتم عليه اليوم يستحق التضحية ويستحق الشهادة ويستحق العمل الدؤوب وإن طالت المدة.
أما للحكام في ليبيا والبحرين واليمن فأقول لهم: كيف تتصوّرون المستقبل؟ كيف تتصوّرون أن تستقر حكوماتكم وأن تبقوا على عروشكم وأن تدوم أنظمتكم بعد كل هذه المظالم وكل هذه الجرائم وكل هذا الإذلال وكل هذا السفك للدماء؟ مهما طال عنادكم مصيركم الهزيمة فاستجيبوا لشعوبكم قبل فوات الأوان.