حول خصخصة قطاع النفط

إبراهيم شريف.. حول خصخصة قطاع النفط
إبراهيم شريف.. حول خصخصة قطاع النفط

إبراهيم شريف - 2025-01-03 - 4:38 م

تهدف هذه الكتابة لمناقشة المواضيع التي جاءت في حديث وزير النفط السيد محمد بن دينة والرئيس التنفيذي لشركة بابكو للتكرير السيد عبدالرحمن جواهري أمام مجلسي النواب والشورى في جلستي 24 و 29 ديسمبر 2024 بشأن بابكو إنرجيز (الشركة الأم/القابضة) وبابكو للتكرير التي تملك المصفاة. المعلومات التي أدلى بها المسؤولان:

• أن كل مدخول النفط الخام يحوّل لوزارة المالية، وأن بابكوللتكرير تشتري 40 ألف نفط خام منتج في حقل البحرين من بابكو  للاستكشاف والإنتاج بـ"السعر الدولي" والباقي من أرامكو.

• أن إحدى شركات بلاك روك (يرأسها الصهيوني لاري فنك) اشترت حصة في شركة خط أنابيب السعودية والبحرين وحصلت بموجبها على 0.1% من أسهم بابكو (لم يكن واضحا ما يقصده الوزير).

• أن على الشركة قروضا تبلغ 3.5 مليار دولار وبإمكانها سدادها دون معونة الدولة

• أن بابكو إنرجيز تملّكت 100% من أسهم بابكو للغاز (بناغاز سابقا) من خلال شراء حصة الثلثين التي تملكها شيفرون الأمريكية وبوبيان الكويتية بالتساوي.

 

هذه وغيرها من التصريحات تستحق التوقف عندها وتحليلها بناء على المعلومات المتوافرة من مصادر مثل حسابات الشركة السنوية ومذكرات اصدار السندات الدولية.

 

دعم الحكومة لبابكو: "ياخذ من مخباه ويعايد به"!   

موازنة الحكومة اعتمدت مبلغ 66.4 مليون دينار أرباح توزعها بابكو سنويا على الحكومة. بابكو وزعت فقط 24.3 مليون في 2023 رغم الأرباح القياسية في 2022.

لكن من المهم ملاحظة أن الحكومة تبيع بابكو 38,700 برميل يوميا من النفط الخام المستخرج من حقل البحرين بسعر دولار واحد فقط إضافة لكلفة استخراجه (وليس بالسعر العالمي كما قيل أمام المجلس). 

قيمة هذا الدعم بلغ 306 مليون دينار في 2021 و 467 مليون في 2022. وفي الفترة بين 2019 و 2022  دعمت الحكومة بابكو (من خلال بيع النفط بسعر رمزي) بمبلغ 1,210 مليون دينار واستملت أرباحا بمبلغ 112.8 مليون دينار، أي ان ما تحصل عليه الحكومة من ربح تدفع عشرة أمثاله دعما لبابكو!!

 

دعم البترول والديزل:

لكن بابكو أيضا تتحمل كلفة دعم البترول والديزل والكيروسين المسعّر من قبل الدولة، ولو باعت هذه المنتجات بسعر السوق العالمي (كما تفعل الامارات مثلا) فان الشركة ستجني أرباحا بمتوسط 100 مليون دينار سنويا للفترة من 2018 إلى 2022.

وفي المقابل تحصل بابكو على دعم آخر من الحكومة يتمثل في الغاز الطبيعي الذي تحصل عليه مجانا وتتراوح قيمته بين 50 و150 مليون دينار سنويا.

 

أهمية مشروع تحديث مصفاة النفط:

كلفة تشغيل المصفاة القديمة عالية وكفاءتها منخفضة، وتحقق خسائر في أكثر السنوات. وقد سجلت المصفاة خسارة صافية 1.72 دولار لكل برميل من النفط الخام باعته في 2019،  وخسارة 3.93 دولار للبرميل في 2020، وخسارة 2.69 دولار للبرميل في 2021، وحققت ربحا 3.27 دولار للبرميل في 2022 التي كانت سنة استثنائية لمصافي التكرير في العالم. 

المصفاة تنتج حوالي 95 مليون برميل سنويا (بمعدل 260 ألف يوميا) وكل دولار خسارة يكلفنا 95 مليون دولار سنويا. تحديث المصفاة ورفع انتاجها ما يقارب 50% سيحسن من كفاءتها ويرفع هامش ربح التكرير.

 

تحديث مصفاه بابكو: هل هو مشروع ناجح؟؟

هذا المشروع قد يكون اضافة هامة للاقتصاد البحريني. لكن من المبكر الحكم على درجة نجاحه قبل مرور عام على الأقل من تشغيله. وقبل أن ينشغل النواب بالتهليل والاشادة، عليهم جميعا العودة لأصل المشروع وقت الاعلان عنه ومقارنة ذلك بما تم انجازه:

• كانت التقديرات في البداية ان كلفة المشروع 4.2 مليار دولار،  وينتهي العمل فيه مع نهاية 2021 (حسب التقرير الاقتصادي للفصل الرابع 2018 من موقع وزارة المالية)

• لكن المشروع تأخر 3 سنوات، وارتفعت كلفته 67% إلى أكثر من 7 مليار دولار.

 

جدوى أي مشروع تتعلق بكلفة بنائه، إضافة لعوامل أخرى مثل قرب مصادر المواد الأولية وتوفر العمالة الماهرة (يحسب للبحرين توفر هذين العاملين المهمين للنجاح). نأمل ألا تعيق هذه الزيادة الكبيرة في كلفة بناء المشروع ومعها 250 مليون دينار فوائد سنوية في نجاحه.

 

تصريح ملتبس بشأن بيع حصة في بابكو

في حديثه عن بيع حصة في شركة أنابيب النفط السعودية البحرينية SBPCـ قال وزير النفط أن شركة بلاك روك (المملوكة من صهاينة) اشترت من بابكو إنرجيز حصة 0.1% مقابل 400 مليون دولار. يبدو أن هناك لبس فيما قاله الوزير، لذلك لم نشاهد تغطية في الصحافة حول هذا الجزء غير الواضح من حديث الوزير لأن الصحف أصبحت مجرد نشرات حكومية خاصة عندما يتعلق الأمر بأخبار الحكومة.  

 

لفهم ما قاله السيد الوزير، يمكن العودة لتغطية صحيفة بتاريخ 20 ديسمبر 2024 لجلسة لجنة الشؤون المالية والاقتصادية بمجلس النواب حيث جاء في الخبر أن شركة بابكو للتكرير باعت 0.01% من أسهمها لشركة بلاك ووتر (الصهيونية) بمبلغ 4.6 مليون دولار (لكن حتى هذا الرقم لا معنى له إذا كان يعني أن قيمة مصفاة بابكو تساوي 46 مليار دولار). أما مبلغ الـ 400 مليون دولار الذي ذكره الوزير فهو على الأرجح مبلغ شراء بلاك روك حصة أقلية في مشروع خط الأنابيب.

 

سداد قروض بابكو على "نفقة الدولة":

السيد عبدالرحمن جواهري ذكر أن قروض الشركة انخفضت إلى 3.5 مليار دولار بعد سداد 510 مليون دولار. وقد تساءل النائب عبدالنبي سلمان عن مخاطر عدم تسديد الشركة ديونها مفترضا انها 6 مليار دولار فقيل للنواب "أن الدولة لا تعتمد على أي جهة أخرى في تسديد التزاماتها المالية في السنوات القادمة".

غير أن حسابات الشركة المدققة أظهرت قروضا أكبر بكثير مما ذكرها الجواهري. مجموع القروض والتزامات عقود الايجار المجمعة على الشركة الأم (بابكو إنرجيز) وبناتها في ديسمبر 2023 بلغت حوالي 3.8 مليار دينار (= 10 مليار دولار)، تبلغ الفوائد السنوية عليها حوالي 250 مليون دينار، أي ما يعادل 7%. 

أما صافي الديون net debt (الديون ناقصا الودائع والنقد) فقد بلغ 2.6 مليار دينار (حوالي 7 مليار دولار).  

صحيح أن الحكومة لم تضمن (على الورق) هذه القروض، لكنها ضمنتها فعليا من خلال التعهد ببيع 38,700 برميل من النفط الخام بسعر دولار واحد فقط، وهو ما يعادل منحة متوسط قيمتها السنوية 800 مليون دولار (متوسط الأعوام 2019-2022).  

هذا يعني أنه من حيث الواقع فإن من يسدد ديون بابكو هي خزينة الدولة. عمليا، فان ديون بابكو هي جزء من الدين العام.

 

بابكو إنرجيز تشتري حصتي شيفرون وبوبيان في بابكو للغاز:

للتوضيح هناك شركتان للغاز، الأولي هي بابكو للغاز والثانية بابكو للغاز-التوسعة (الشركتان كانتا تسميين بناغاز). شركتا شيفرون الأمريكية وبوبيان للبتروكيماويات الكويتية كانتا تملكان 25% من الشركة الأولى (وليس الثلثين كما ذكر الوزير) ولا شيء من الشركة الثانية (التوسعة). 

 

بابكو إنرجيز اشترت الربع الذي لا تملكه من الشركة الأولى، وبهذا تملّكت 100% من أسهم شركتي بابكو للغاز وبابكو للغاز-التوسعة. 

 

ما هو مهم في هذا الموضوع هو أن الحكومة اكتشفت انها لا تحتاج للشركاء الأجانب لتطوير أعمال الشركتين، أي أن خصخصة قطاع النفط لم تجلب السمن والعسل كما يروج لها، فلماذا تعيد الكرة مع شركة بلاك روك الصهيونية من خلال بيعها حصصا في شركة خط الأنابيب السعودي البحريني وفي مصنع التكرير؟

الوزة التي تبيض ذهبا..

باعت بابكو حصة أقلية لإحدى شركات بلاك ووتر الصهيونية في الشركة السعودية البحرينية لأنابيب النفط  SBPC ومعها حصة صغيرة في بابكو للتكرير، فما هو هدف الحكومة من الخصخصة؟

هل هي لزيادة الكفاءة باجتذاب أفضل الخبرات والممارسات العالمية؟ أم توفير السيولة لتمويل مشاريع القطاع النفطي؟ أو تمويل خزانة الدولة الفارغة بإيرادات الخصخصة؟

 

كل واحد من هذه الأسئلة يحتاج الى إجابة محددة، ثم نقاش عام يشارك فيه المختصون ويطلع عليه الرأي العام ويقبله الشعب، لأننا نتحدث عن بيع الوزة التي تبيض ذهبا، عن جوهرة الاقتصاد البحريني ومحركه: النفط والغاز.

 

تجاربنا مع خصخصة بعض المشاريع الحكومية الاساسية مثل الكهرباء والموانئ، وخصخصة بعض الوظائف التي كانت تتم من قبل موظفين بحرينيين داخل مؤسسات الحكومة وشركاتها الكبرى ثم أرسيت على مقاولين بنظام الاستعانة بمورد خارجي (outsourcing)، تسببت في أمرين خطيرين: 

الأول خفض عدد العمالة المحلية في هذه القطاعات لصالح العامل الوافد، والثاني خفض أجورها. 

 

النفط هو أهم مورد للاقتصاد، هو درة التاج وسبب ازدهار اقتصادنا خلال التسعين عاما الماضية، لذلك ليس من الحكمة أن يوضع في يد أجنبية أو حتى في يد محلية كل همها تحقيق أكبر قدر من الأرباح في أقل عدد من السنين. 

 

ولا ننسى ان الفترة التي أممت فيها الدول الخليجية قطاع النفط قبل عدة عقود ساهمت في زيادة عوائدها من الاموال الناجمة من القطاع ، بل ان البحرين نفسها اشترت حصة  شركة كالتكس CALTEX في مصفاة النفط عندما امتنعت عن الاستثمار في تحديثها وزيادة طاقتها الإنتاجية. وخلال 2024 اشترت الحكومة حصتي شركة شفرون وبوبيان في شركة بابكو للغار (بناغاز سابقا) لانها لم تجد قيمة مضافة لوجود شركاء اجانب في قطاع يملك البحرينيون فيه خبرات طويلة. 

 

الحكومة التي اتجهت في السابق لتأميم قطاع النفط لأسباب استراتيجية، تقوم اليوم بخصخصته لأسباب مالية، أليس هذا أمر مثير للاستغراب؟

 

أما إذا كان الهدف هو تمويل الخزانة العامة للدولة، فإنها ستكون مصيبة، لأن قطاعا منتجا يدر دخلا سنويا ويشغل آلاف البحرينيين سيتم التخلي عنه من أجل حاجات آنية ناشئة من سوء إدارة موارد الدولة وعدم القدرة على التحكم في مصاريف بات كثير منها لا لزوم له. 

 

الحل في خفض نفقات الدولة على قدر امكاناتنا، واستخدام نظام ضريبي عادل لا يستثني الأغنياء وأصحاب الأملاك الكبيرة، وفرض رسوم متصاعدة على العمالة الأجنبية خاصة على الوظائف التي يستطيع أن يشغلها بحرينيون.