البحرينيون والسيد.. ارتباطٌ صلب لا يكسره اغتيال

البحرينيون والسيد.. ارتباطٌ صلب لا يكسره اغتيال
البحرينيون والسيد.. ارتباطٌ صلب لا يكسره اغتيال

مرآة البحرين - 2025-01-18 - 10:32 م

قديمةٌ هي علاقة سيد شهداء الأمة السيد حسن نصر الله بشعب البحرين. الرجل لم يكن بالنسبة إليهم عالم دين لبناني وكفى. في ذاكرتهم لـ32 عامًا. جيلٌ كَبُر معه وجيل شابَ برفقته. يواكبونه، يتابعونه، ينتظرونه في كلّ خطاب ومحطّة مفصلية، يستمعون إليه بتمعّن وكأنّه واحد منهم. 

 

على مرّ السنوات، تأثّر البحرينيون برموز نضالية متعدّدة، تعلّقوا بأفكارها ومبادئها الإنسانية. مع تشي جيفارا، أيقونة الثورة الكوبية، أحبّ البحرينيون الحرية وآمنوا بضرورتها، وانحازوا لنصرة الحقّ والجرأة والتمرّد حتى نيْله. مع جمال عبد الناصر، الرئيس المصري الراحل، صقلوا وعيهم العربي، ولفظوا منطق الاستعمار وتعلّموا أدبيات الصراع مع العدو الصهيوني، مع الإمام الخميني الذي أوقد الصحوة الإسلامية وأشعل جمرة الجهاد، وأعاد للدين أصالته.

 

مع السيد حسن نصر الله كلّ شيء كان مُختلفًا. الارتباط الأقوى والأصدق. قائد إسلامي متفقّه ومتعمّق وباحث وخطيب ومنظّر يجمع السياسة والدين والمقاومة بما يُشبع أسئلة وهواجس وتساؤلات البحرينيين. هؤلاء يرون في شخص السيد امتدادًا لنهج الأئمة (ع) ووصاياهم وترجمةً لخطّ جبهة الحقّ ومواجهة الباطل المتمثّل اليوم بمحور الشرّ "الاسرائيلي" وحلفائه في المنطقة والعالم.

 

العلاقة المتميّزة المنسوجة بين السيد والبحرينيين عمرها من عمر تسلّمه الأمانة العامة لحزب الله. رافق البحرينيون السيد في استحقاقات المقاومة كلّها. إبّان احتلال جنوب لبنان في التسعينات، وقتها كانوا يقرأون أخبار لبنان في الصحف ويؤازرونه بدعاء النصرة والفرج وصولًا الى اللطميات الحسينية التي كانت قصائدها تُكتب تأثّرًا بالمعارك التي كان يخوضها حزب الله بوجه جيش الاحتلال "الاسرائيلي". الذاكرة البحرينية تختزن الكثير من الأعمال التي قدّمها رواديد الرعيل الأول للعمل الإسلامي في البحرين، كالحاج صالح الدرازي، والشيخ حسين الأكرف، فاضل البلادي، غازي العابد، حسين وجعفر ومهدي سهوان. محور ما قُدّم آنذاك كان تأييد خطّ المقاومة بقيادة السيد نصر الله، ونُصرة المجاهدين على الثغور. 

 

مع تحرير الجنوب عام 2000، كان البحرينيون يحتفلون من بلدهم مع اللبنانيين بدحر المحتلّ الصهيوني. هذه الفترة كانت فارقة. خطاب بيت العنكبوت التاريخي للسيد الذي ألقاه في بلدة بنت جبيل الجنوبية المتاخمة لفلسطين بُعيد التحرير عام 2000، حُفر عميقًا في عقولهم وقلوبهم، وتسبّب ببروز موجة تعاطف وتأييد جارفة في البحرين لسيّد لبنان، تُوجّت عام 2006 عقب انتصار المقاومة على آلة القتل الاسرائيلية. حينها لم تكن الدولة تجرّم أيّ تعاطف مع حركات المقاومة، ولهذا ندّد مجلس النواب، بما كان يعكس من تمثيل شعبي حقيقي، بجرائم العدو بحقّ اللبنانيين. وعلى غرار ذلك، فعلت جهات متعدّدة في البحرين نقلت مزاج الشعب المتأثّر بخطاب المقاومة وأمينها العام. وهنا، برز تحرّك لجمعيات محلية كالجمعية البحرينية لحقوق الإنسان، والتحالف البحريني للمحكمة الجنائية الدولية، وجمعية المحامين، والمركز البحريني لحقوق الإنسان، وجمعية شباب البحرين لحقوق الإنسان، من أجل حثّ الدول على وقف العدوان "الاسرائيلي" على لبنان.

 

الخطوة استُكملت بزيارة 30 شخصية تمثّل مختلف أطياف المجتمع المدني البحريني لبنان بعيد العدوان تعبيرًا عن مؤازرتها الشعب، بموازاة توزيع الهلال الأحمر البحريني واللجنة العليا لدعم الشعب اللبناني المساعدات في لبنان. الوقفة الأهمّ في كلّ هذا المشهد كانت في الشوارع، حيث خرج آلاف البحرينيين في المنامة إبّان الحرب تنديدًا بالعدوان "الإسرائيلي" الوحشي المتواصل على الأراضي اللبنانية، هاتفين بدعم المقاومة اللبنانية ورافعين صور السيد حسن.  فعاليات ومسيرات ونشاطات كثيفة من البرامج الخطابية والشعرية والإنشادية والفنية، شهدتها البحرين في تلك السنة نصرةً للمقاومة وقائدها.

 

ظلّ الشعب البحريني بعد الـ2006 وفيًّا في حبّه للسيد ورفاقه. صوره ثابتة في بيوت وشوارع البحرين وفي المسيرات. في العام 2011، انتقلت علاقة البحرينيين والسيد الى مستوى أعلى. باكرًا، قرأ السيد المشهد المتأزّم والسنوات العجاف التي تنتظر هذا البلد. لأجلهم، رفع الصوت ونصرهم في مظلوميتهم. في أولى خطاباته التي تطرق خلالها الى الشأن البحريني بعد 5 أيام من إعلان حالة الطوارئ في المملكة ( 19 آذار/مارس 2011 )، قدّم سماحته رؤيته للملفّ والإشكالية الحاصلة، فقال "كان يمكن بسهولة استيعاب الحدث والدعوة للحوار من دون إطلاق النار على المتظاهرين"، ورأى أن "ما يجري في البحرين ليس تحركًا طائفيًا أو مذهبيًا، وما جرى لن يثني على الإطلاق ولن ينال من إرادة الثائرين أو الأحرار في البحرين".

 

وفي الخطاب الذي كان تأسيسًا لكلّ الكلمات اللاحقة التي ذكر فيها البحرين، نصح السيد البحرينيين بالصبر والثبات في الدفاع عن الحقوق والاستماع الى قيادته الحكيمة والشجاعة والعمل الدؤوب. 

 

خلال 13 عامًا من الأزمة، لم ينسَ السيد البحرينيين. شملهم في كلّ خطاب موجّه للخارج قبل الداخل اللبناني. وعلى الدوام، كان البحرينيون يتلقّفون ذلك بحرارة وترحيب بالغ، ويتفاعلون مع كلام السيد ومقاربته لما يحصل المملكة الخليجية. 

 

في حرب 2023، كرّر البحرينيون عهدهم للسيد والمقاومة. التأييد العلني رغم نكسة تطبيع آل خليفة مع الكيان الصهيوني، لم تردعهم عن التضامن مع لبنان ورفع صور السيد في المسيرات وصولًا الى البيوت، غير أن الاغتيال الوحشي للسيد ثبّت حقيقة تعلّق البحرينيين الاستثنائي به. هؤلاء فَقَدوا مناصرًا تاريخيًا لقضيّتهم، وحلّت بهم نكبة حقيقية. صور السيد الشهيد ملأت البيوت والشوارع وهواتف البحرينيين وصفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي. جميعهم أدركوا في هذه اللحظة عظيم النبأ والخسارة وعمق الرابط والصلة مع السيد. أعدادٌ غير قليلة اعتُقلت لحملها صورًا للسيد حسن. بالنسبة لهم، وكأن زلزالًا ضرب بلدهم. النبأ آلمهم بما لم يختبروه سابقًا في كلّ أزماتهم.

 

مناصرة الشعب البحريني لقائد المقاومة السيد الأقدس تجلّت بشكل واضح في معركة إسناد غزة لنحو عام، ثمّ العدوان الواسع على لبنان على مدى 66 يومًا. المواكب العزائية وضعت لبنان ومقاومته وسيّدها في أولويات نشاطاتها وبرامجها المتلاحقة، وعلى المنوال نفسه تدحرجت الأدعية المرفوعة في المساجد والحسينيات وكذلك الأناشيد الإسلامية المختلفة في شوارع البحرين.

 

توصيف حالة البحرينيين في ظلّ خسارة السيد لا يمكن أن يكون دقيقًا. البحرينيون شعروا بأنهم فقدوا أهمّ صوت عربي وإسلامي عابر للحدود، يستمع إليهم، يعرف قياداتهم التي التقى عددًا منها، يخاطبهم وكأنه بينهم يعيش ظروفهم ويفهمها جيدًا وكثيرًا. تفسير هذه العلاقة التي بناها السيد بنفسه مع البحرينيين المتلقّين لكلماته وحواراته وإطلالته يبدو صعبًا. سرٌّ ولغز سيبقى بلا حلّ في ظلّ غياب السيد.