الصحافة في حضرة الملك.. تمثيلية رخيصة وتطبيل فاشل
مرآة البحرين - 2025-01-25 - 12:44 ص
عيسى الشايجي يكتب عن "الصحافة في حضرة صاحب الجلالة". عنوانٌ أراده أن يكون برّاقًا لجلسة صحافيي البلاط مع وليّ نعمتهم في مسقط، حيث "شحنهم" معه في موكبه إلى هناك.
575 كلمة كتبها رئيس تحرير صحيفة "الأيام"، ورئيس جمعية الصحفيين البحرينية، رئيس اتحاد الصحفيين الخليجيين ، من أجل إظهار احتضان الملك حمد بن عيسى أهل الإعلام. الاندهاشُ بعنايةِ الملك بالصحافة، أو اصطناعُ ذلك، ليس طارئًا لدى الشايجي. هو أسلوبٌ يتبّعه دائمًا الصحافيون المحسوبون على النظام والحُكم، لكنّ حجم التمجيد وصل إلى مستويات قياسية هذه المرة.
يقول الشايجي في مقاله إن الملك يحرص في كل عام على مشاركة الصحفيين في كل العالم وليس في البحرين فقط عيدهم، لإيمانه بأهمية الكلمة الحرة والمسؤولة، ويُضيف بأن "الصحافة في البحرين ازدهرت في عهد جلالته"، ويُكمل "لقد جعلنا جلالة الملك نعمل بدون خوف أو ريبة، وفي أجواء من الأمن والطمأنينة، وقدّم ضمانات شخصية لحرية الرأي والتعبير، وأراد قانونًا مستنيرًا للصحافة يخلو من عقوبة الحبس للصحفيين، وأرسى الكثير من القوانين والتشريعات التي تُمكّن الصحافة من القيام بدورها على أكمل وجه".
الشايجي يعيش طبعًا على كوكب الملك، حيث تشرّب انفصامه عن أرض البحرين وما يعتليها من مشاكل وعُقد. أو ربّما تشرّب "عماهُ" عمّا يحصل فعلًا، وعمٓا يُصيب الصحافة وكلّ حرية الرأي والتعبير.
عن قصدٍ لا يحتاج نقاشًا، يُهمل الشايجي إجهاض الدولة لأيّ مشروع صحافي يُمثّل الرأي المعارض في المملكة. لا مكان للصحف الوسطية حتى، مع إغلاق السلطات آخرها عام 2017، أي صحيفة الوسط المحلية بحجّة "نشر وبثّ ما يثير الفرقة"، التُهمة الحاضرة لمحاكمة كلّ من تُسوّل نفسه أن يفكّر خارج قطيع آل خليفة.
فلنفترض أنّ عيسى الشايجي يُصدّق ما يكتب، ويؤمن بتعددية يراها في فكر الملك، ولاسيّما عندما يُشير الى أن الحاكم" يدعو كل السلطات إلى التعامل والتعاون مع الصحافة باعتبارها سلطة كاملة الصلاحيات، تتكامل مع باقي السلطات والتي يجب أن لا تتصادم معها او تنتقص من دورها المهم والحيوي في حياتنا الديمقراطية"، هل من المُمكن أن يُجيب إذًا عن التساؤلات التالية بعد قراءة "أطروحته" في "الأيام"؟
* أين الكلمة الحرّة التي يؤمن بها الملك في البحرين؟ وكيف يكتب عنها إذا لم تكن مرئية على أرض الواقع؟
* هل كثرة المنابر الإعلامية التي تعكس آراء الحكم وما يرضى عنه تعني فعلًا أن الدولة تسمح بالتعددية؟
* هل مُلاحقة من يُعبّر عن رأيه عن أيّ شأن داخلي عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي مُنفصلة عن فكر الملك لناحية انفتاحه على الكلمة الحرة؟
* هل يسمح الملك لمحطّة إعلامية أن تبثّ من أرض البحرين إذا كانت تنتقد سياساته والحكومة؟
* هل يتجاوب الملك مع أيّ طلب صحافي لا ينسجم وآرائه؟ وهل يستقبل صحافيًا من خارج مجموعة البلاط لديه؟
* إضافة الى كلّ هذا، أين الازدهار الصحافي إذا كانت معظم الصحف البحرينية تشكو من عجز مالي وتدنّي سوق الإعلان فيها بنسبة مرتفعة؟ (بحسب ابراهيم الحسيني - الرئيس التنفيذي لصحيفة الوطن المحلية)
المشكلة أن عيسى الشايجي بنفسه كان في الفترة الماضية يتحدّث عن آلية توفّر الأمان الوظيفي للصحافيين إزاء التهديد المالي لصحف البحرين، فأين يرى نموًا في وضعها في عهد الملك؟
في العام 2024، أصدرت منظمة "مراسلون بلا حدود" المؤشر العالمي السنوي لحرية الصحافة الذي يهدف إلى المقارنة بين درجة الحرية التي يتمتع بها الصحفيون ووسائل الإعلام في البلدان الـ 180 التي يشملها التحليل، بناءً على 5 مؤشرات: السياق السياسي، والإطار القانوني، والسياق الاقتصادي، والسياق الاجتماعي والثقافي، والسياق الأمني.
في هذا التحليل، أتت البحرين في المرتبة 173 عالميًا، من أصل 180 دولة خضعت لهذا القياس، بعد أن حلّت في المرتبة 167 عام 2022. يعني ذلك أن المملكة تراجعت، وأصبحت في عداد أدنى 10 دول من حيث حرية الصحافة التي يتغنّى بها الشايجي ويستعرض فيها رعاية الملك بنفسه لها.
"جعلنا جلالة الملك نعمل بدون خوف أو ريبة، وفي أجواء من الأمن والطمأنينة، وقدّم ضمانات شخصية لحرية الرأي والتعبير"، هكذا إذًا يلمس رئيس تحرير "الأيام"، وهكذا تدحض "مراسلون بلا حدود" مستوى تلك الطمأنينة والحرية في البحرين.
مقال عيسى الشايجي يبعث على السخرية فعلًا. يأخذ دور "مطرب الأمراء" بدلًا من أن ينزل إلى أرض الكارثة الحقوقية التي تُصيب الصحافة في البحرين. يخترع انجازات ربّما للملك ويُعنونها بعبارات أخّاذة كـ إيمان حمد بن عيسى بـ"الكلمة الحرة والمسؤولة"، وينسلخ عن مصائب الأخير في تطويق الصحافة وحصرها بأبواقٍ تُمثّل مرآة للحكم.
الفظاعة الأكبر التي يتفاخر بها عيسى الشايجي في مقاله تكمن في السكوب "الخطير" الذي ينقله عن الملك، إذ يكشف أنه قال للصحافيين المرافقين له في مسقط "شكرًا لكم.. ليس على ما تبذلونه من جهود اليوم فقط، وإنما أيضًا على ما بذلتموه من جهود فيما مضى". هل فعلًا يحترم رئيس تحرير "الأيام" سنّه الصحافي ومناصبه المتعدّدة؟ وكيف يقبل على نفسه ذكر جملة لا تُفيد الصحافة في شيء؟ ماذا يعني شكر الملك لأبواقه الإعلامية التي لا تجرأ على الخروج عن عباءته؟ هل هذا سبقٌ أم تخريف؟!