الهوية المهدّدة.. هاجس البحرينيين
مرآة البحرين - 2025-01-29 - 10:07 م
تُحضّر الدولة في البحرين مؤتمرًا بدأت تحشد له باكرًا، عنوانه "منتدى الهوية البحرينية". فكرتُه تقوم على "تعزيز الانتماء الوطني والشراكة المُجتمعية وحماية التراث الثقافي وترسيخ القيم البحرينية"، وفق ما هو مُعلن.
لأجل هذه الغاية، فتحت اللجنة المنظّمة الباب أمام الشخصيات والنُخب التي تُرضيها من أكاديميين وباحثين وطلبة جامعات، لتلقّي البحوث والدراسات المشاركة في فعاليات المنتدى.
على مدى 3 أشهر تنتهي في 31 آذار/مارس المقبل، ستنكبّ اللجنة المنظمة للمؤتمر على تقييم ودراسة ما يُقدّمه الباحثون الذين تتجاوز أعمارهم الـ 21 عامًا، على أن تكون الأوراق البحثية أصلية وغير منشورة مسبقًا أو مقدَّمَة في مؤتمرات أخرى، وتشترط أن تشمل هذه الأوراق مشاريع عملية تطبيقية وتقدّم مبادرات مستقبلية لتعزيز الهوية البحرينية.
في الظاهر، كلّ شيء مرسوم ومحبوك كما تريد الدولة. مؤتمرٌ وطني بعنوانٍ جذّاب يُفترض أنه جامع وسينال إعجاب الجميع في المملكة، لكنّ المسألة أعمق ممّا يطفو على السطح. بحسب المعطيات، الملك حمد بن عيسى وجّه بنفسه لتنفيذ دراسة متكاملة لقياس جاهزية السلطة في تأصيل الهوية البحرينية تحت شعار "هويّتا قوّتنا"، مع إشراك مؤسسات الدولة المُختلفة. الخطوة على ما توحي شخصيات موالية للسلطة تهدف الى إنشاء مرجع موحّد للهوية الوطنية.
بمعزل عمّا اذا كان المشروع مُستنسخ من الإمارات التي أطلقت في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي مبادرة "ترميز الهوية الوطنية"، ما صدر عن الدولة بهذا الخصوص يفتح الباب أمام الهاجس الذي يعيشه المجتمع البحريني عمومًا: الهوية مهدّدة.
هذا المشروع غير بريء بتاتاً، وأول ما يحوم حوله من شبهات، أنه يأتي بعد تطبيع السلطة علاقاتها مع الكيان الصهيوني (2020)، وقد انطلق في سياق حملة أمنية على المتضامنين مع غزة ولبنان (2023/2024)، ويأتي ضمن مشروع واسع لصهينة المناهج الدراسية، والعمل على تغييب الأجيال عن حضورها السياسي، وإغراق الساحة بهوامش الهوية البحرينية لتكون بديلاً عن الهوية نفسها.
يستوطن الكثير من البحرينيين منذ سنوات شعورٌ بالقلق إزاء ما يحصل في بلدهم ويتلمّسونه تباعًا، وأكثر ما يُرعبهم عزلهم عن الصورة البحرينية التاريخية، تزوير هويّتهم وبالأخصّ تغييب الوجود الشيعي المتأصّل في البلد منذ أن دخل أهله الى الإسلام.
المسألة ليست وليدة اللحظة، فمنذ دخول عائلة آل خليفة للبحرين قبل 242 عاماً، بدأ صراع الهويات في التشكّل، وبدأت السردية الخليفية تقدّم نفسها بشكل يناقض الواقع، فأحمد بن محمد آل خليفة، سُمي بالفاتح للبلاد رغم كونها بلداً مسلماً، وربما تمثل هذه السردية أوّل عبث بتاريخ البحرين.
هذه هي صورة البحارنة في المخيّلة الخليفية، إنّ بلادهم بلاد كفر قام آل خليفة بفتحها. وهذه الصورة، تصادر السردية التاريخية المعروفة والموثقة، من دخول أهل البحرين للإسلام على عهد رسول الله طواعية، وهي مصادرة تدحرجت لتشكل كل السردية المتعلقة بالسكان الأصليين، واتسمت بالعنصرية تارة (بحارنة/آل خليفة)، ومذهبية تارة (شيعة/سنة)، واجتماعية تارة أخرى (حضر/بدو).
لقد لعبت عقدة (الأصيل/الدخيل) دورها في صراع الهويات، فآل خليفة (القطريون الأصل) لا يشعرون بالارتياح لمن يذكّرهم بكونهم جاؤوا من خارج هذه الجزيرة الصغيرة، وهذا الأمر مثّل لعنةً بالنسبة للبحارنة (السكان الأصليون) طوال تاريخهم مع العائلة، فكانت صورتهم مرتبطة على الدوام بصيغة ازدرائية وانتقاصية ومشوّهة، بل كانت في أوّل الأمر أكثر من ذلك، وقد عانى البحارنة من إباحية آل خليفة لدمائهم وأعراضهم وأموالهم.
في 2006 مثلاً، تجسّد مشروع حرب الهويات بكلّ وضوح في تقرير المستشار السابق في الديوان الملكي صلاح البندر، الذي كشف عملية استهداف الشيعة وعزلهم ضمن مُخطّطٍ مُحكمٍ لضرب الطائفة بأكملها.
العبث بالتركيبة السكانية وتغيير الهوية يندرج في سياق هذا المشروع. تستخدم الدولة التجنيس كأداةٍ لتنفيذه، وكذلك العبث بالشواهد التاريخية للشيعة والآثار الإسلامية ومنها المساجد والعقارات، وصولًا إلى العزل عن الخريطة الوطنية وتهميش الشيعة بكلّ الوسائل المُتاحة، ومنها كتابة تاريخ البحرين.
اللعب على الوتر الديني والطائفي يُخيف البحرينيين وهذا ملموسٌ لديهم. تعزيز حضور المسيحيين والاهتمام المبالغ بكنائسهم الـ28، مقابل تقليل مساجد الشيعة واضحٌ بالنسبة لهم. الخطّة تخدم السلطة الحاكمة لجهتيْن: ترويجٌ لشعار التعايش بين الأديان مع المسيحيين الموجودين في البلد يليهم اليهود، ومن جهة أخرى ضرب الحضور التاريخي للشيعة. وكذلك بالنسبة لمساجد السنة التي تبنى في مناطق شيعية خالصة لأسباب تتعلق بمشروع واسع لتغيير هوية المناطق.
العلامة السيد عبد الله الغريفي عبّر مؤخراً بصراحة عن "همٍّ" يعيشه البحرينيون عندما حذّر من مشاريع لسرقة هويّة المناطق، مؤكدًا أهمية الحفاظ عليها، من منطلق الحرص على الهوية الأصيلة الذي لا يخرج عن كونه عملًا وطنيًا خالصًا بعيدًا عن الطائفية، وذلك أعقاب فعاليات وزارة السياحة في المنامة والمحرق.
بناءً عليه، تأصيل الهوية الوطنية ليس منتدى عابرًا. الدولة تراهن عليه لإحداث تغييرات جذرية في الخريطة الشعبية الوطنية وفي الذاكرة الحيّة، والمستهدفون بالتأثير هم الأجيال القادمة. في المقابل، الخوف لدى أهل البلد الأصيلين ممّا هو قادم ثابت ويتعاظم.
- 2025-01-27"قراندول" المتكاثرة.. "العرف البلغريفي" يقود السياسة الرسمية في رعاية الاتجار بالبشر!
- 2025-01-26مُعتقلو رأي لا "نزلاء"!
- 2025-01-25الصحافة في حضرة الملك.. تمثيلية رخيصة وتطبيل فاشل
- 2025-01-22"وثائقي" وزارة الداخلية لا يُجمِّل.. أزمة السجناء لا تُخبّأ
- 2025-01-20شحّ الكوادر الوطنية في البحرين: كذبة مُستهكلة