» رأي
سيمولوجيا زينب الخواجة في سوسيولوجيا البحرين
يوسف مكي - 2012-12-12 - 3:29 م
يوسف مكي*
السيمولوجيا هو العلم الذي يتناول العلامات والرموز في سياقاتها الاجتماعية والثقافية والتاريخية، والمعاني التي تتضمنها، والتأويلات التي تحتملها، والمعاني التي تُسند إليها. والرموز والعلامات قد تكون أشياء من صناعة الإنسان، وقد تكون من أشياء وعناصر الطبيعة، حيث يعطيها الإنسان، أو المجتمع معنىً/ معانٍ وذلك حسب السياق السوسيولوجي والثقافي، وقد تكون الرموز والعلامات السيمولوجية أشخاصًا، أو أشباحًا، تمتلئ بالمعاني والقيم حيث المجتمع يضفي عليها معانٍ محددة.
وأظن أن المناضلة زينب الخواجة، ابنة المناضل الكبير عبد الهادي الخواجة، هي إحدى العلامات السيمولوجية الفارقة في حاضر ومستقبل البحرين السياسي والاجتماعي والثقافي. فهذه المرأة، الرقيقة والقوية في آن، تمثل النموذج الأنصع والمثالي للمرأة البحرانية، في مقاومتها المستميتة للطغيان، ووقوفها شامخةً أمام جبروت السلطة، مجردة من كل شيء سوى أنها زينب الخواجة ابنة البحرين.
العلامات السيمولوجية التي اكتنزت بكثير من المعاني الثورية والنضالية والإنسانية منذ 14 فبراير 2011 في البحرين، هي كثيرة، وفي مختلف المجالات: مثل الكتابة على الجدران، الهتافات والشعارات، اليافطات والمجسمات وغيرها، كلها علامات سيمولوجية تنضح بالمعاني وتتحول من نصوص مرئية أو مسموعة إلى نصوص اجتماعية. أما العلامة السيمولوجية الإنسانية الأهم في الاحتجاج الشعبي فتتجلى في زينب الخواجة. وأظن أن معظم نساء البحرين يتمنين أن يكنَّ على غرار زينب الخواجة. إذن هي علامة سيمولوجية/ سوسيولوجية ذات معانٍ، وهي علامة سيمولوجية لأنها تشير إلى معانٍ خارج ذاتها، تشير إلى واقع استثنائي يقارع فيه الشعب البحراني طبائع الاستبداد، ولكن من خلال امرأة استثنائية هي زينب الخواجة، العلامة والرمز والمعنى المحايث والمفارق.
فزينب في معانيها السيمولوجية ذات معانٍ ونصوص متعددة؛ تاريخية، واجتماعية ثقافية. فهي في المعنى السيمولوجي تذهب بعيدًا في التاريخ حيث شموخ السيدة زينب ووقوفها البطولي أمام الطغيان الأموي، وفي مقابله وقوف زينب الخواجة أمام الطغيان الخليفي. فهذه تذكّر بتلك، وتلك تذكّر بهذه، إنه اتفاق الاسم والفعل هنا وهناك. سيمولوجيا التاريخ والسياسة وجهًا لوجه أمام الطغيان برغم مسافة الزمن.
زينب الخواجة تعني من الناحية السيمولوجية أنها امرأة في شرخ الشباب وعزّ الأحلام، لكنها تواجه نظامًا بوليسيًا في شيخوخته، يستكثر على الناس أن يحلموا الأحلام، بل الكوابيس، وهي امرأة لا تتردد في مقارعته، بكل ما أوتيت من قوة ناعمة وسلمية. إنه النضال الأنثوي بمعناه النبيل والناعم، النضال بالمعنى الغاندي المسالم.
زينب الخواجة علامة سيمولوجية سوسولوجية كذلك، فهي حديث المجتمع في البحرين، فهي القيمة والأيقونه لثورة 14 فبراير، وغير 14 فبراير، ولكل الحالمين بغدٍ مشرق وحياة كريمة، وكرامة إنسانية، شباب وشابات تصبح زينب الخواجة ملهمتهم في مقارعة الظلم والاستبداد. زينب بذاتها ولذاتها علامة سيمولوجية، تعني الثبات المنقطع النظير على المبدأ، مهما كانت الكلفة عالية وغالية. زينب تمثل سيمولوجيا المحنة بالمعنى الحرفي للكلمة، لكنها في الوقت نفسه تمثل محنة وطن؛ فالأب في غياهب سجون النظام والعم كذلك، والأقارب والأحباب والعائلة، والأخت، مريم، تجول في العالم بحثًا عن إنصاف وعدالة. ولكن ذلك كله لم يفتَّ في عضدها، فهي صامدة شامخة رافعة الرأس -لذلك هي علامة من العلامات المهمة في حاضر حركة الشعب البحريني ومستقبله، ودون أن تأبه بالمحنة العائلية، ففي نظرها أن محنة الشعب البحريني، تحت الطغيان الخليفي، هي المحنة الحقيقية.
زينب الخواجة ليست معنىً واحدًا بل مجموعة معانٍ في سياق اجتماعي محرِّض على الثورة في جانب، وقامع للثورة في جانبٍ آخر، لكن المعنى الأيقوني الغالب، في حالة سيمولوجيا زينب الخواجة، هو أنها باتت تمثل قدوة للسائرين في طريق النضال الصعب من النساء ومن الرجال. إنها النص الاجتماعي الجامع للمقاومة المدنية، ولمن أراد السير في الطريق الصعب. زينب الخواجة علامة من علامات الاجتماع البحريني، التي تشير بوضوح إلى أن المرأة في هذا البلد قادرة على أن تقف في وجه النظام مجرّدةً من أي سلاح سوى إرادتها، وهي تحمل قلبها على راحة يدها دون خوف أو وجل من أذى السلطان وجلاوزته. زينب الخواجة علامة لا تخاف زنازين السلطان، فقد خَبِرتها وخَبِرتْ حراسها وجلاديها، لذلك هي مستمرة في نضالها، لتكشف للعالم مقدار بربرية النظام تجاه من يعارضونه، وتكشف الأماكن المعتمة والمخجلة من دهاليز النظام، وأفعال النظام.
أجل زينب الخواجة، ابنة عبد الهادي الخواجة، مستمرة في أن تظل علامة سيمولوجية في المجتمع البحراني تَشْخَص إليها الأبصار كما تهفو الأفئدة إليها، وهي تسطر أبلغ المعاني، لتقول لشعب البحرين، فعلًا لا قولًا، ما معنى أن ينكسر حاجز الخوف من النظام. وهي التي تعرف تمامًا، كأبيها، أن كسر حاجز الخوف، من قبل المناضلين رجالًا ونساءً، هو الخطوة الأولى في سبيل مقاومة النظام، وفي طريق تحقيق الأحلام الكبيرة، أحلام الشعب، التي بها تتحقق في الوقت عينه أحلام زينب.
هذه هي زينب، العلامة والرمز، والقيمة والمعنى في سياقه الذاتي، وفي سياقه الاجتماعي السياسي والثقافي، سياق ثورة 14 فبراير. هي سيمولوجيا زينب الخواجة في سوسيولوجيا البحرين المعاصرة، والتي تمثل علامة كاشفة وفاضحة لطغيان النظام. هذا هو معنى سيمولوجيا زينب الخواجة، هذا هو معنى أن تكون زينب العلامة المضيئة في ليل البحرين الطويل.
*باحث بحريني في علم الاجتماع.
اقرأ أيضا
- 2024-11-23التعايش الكاذب وصلاة الجمعة المُغيّبة
- 2024-11-20دعوة في يوم الطفل العالمي للإفراج عن الأطفال الموقوفين لتأمين حقهم في التعليم
- 2024-11-18النادي الصهيوني مرحبا بالملك حمد عضوا
- 2024-11-17البحرين في مفترق الطرق سياسة السير خلف “الحمير” إلى المجهول
- 2024-11-13حول ندوة وتقرير سلام تعزيز الديمقراطية.. أمل قابل للتحقيق