» رأي
الثورة البحرينية والمأزق الأمني
إيمان شمس الدين - 2012-12-26 - 8:39 ص
إيمان شمس الدين*
"إن الهدف الأول هو تحقيق الحماية لدول المجلس وشعوبها، من خلال الدفاع والأمن، والاستعداد للتعامل مع كافة التهديدات والمخاطر التي تواجه المنطقة، مشيرًا إلى الاتفاقية الدفاعية المشتركة والاتفاقية الأمنية، التي قال إن أصحاب الجلالة والسمو سيعتمدونها في قمة المنامة، وكذلك اتفاقية مكافحة الإرهاب، والعمل على تطوير قوات درع الجزيرة، وتطوير القيادة والسيطرة والاتصالات لمنظومة درع قوات الجزيرة، وأيضًا الجهد الجوي والبحري، والتنسيق بين وزارات الداخلية وقوات الأمن العام لرفع الكفاءة". هذا ما صرّح به الأمين العام لمجلس تعاون دول الخليج، الدكتورعبد اللطيف الزياني.
أهمية الخبر تكمن في المكان، وفي طبيعة الأحداث ومجرياتها، فانعقاد هذه الدورة يأتي في وقت حراكات مطلبية عديدة في المنطقة، لتحقق شراكتها في الحكم، وإقامة، إما ملكيات، أو إمارات دستورية، وفي وقتٍ تزداد فيه وتيرة القمع الأمني في البحرين، وتزداد تقارير الإدانة لمنظمات حقوقية بانتهاكات عديدة وبارزة في دول الخليج، كارتفاع عدد مساجين الرأي، ونسبة الاعتقالات بين صفوف المواطنين المطالبين بحقوقهم المشروعة.
وتأتي في أولوية اهتماماتهم، وفق هذا التصريح، حماية دول مجلس التعاون، وترجمة ذلك بعناوين، كمكافحة الإرهاب، دون تحديد تعريف مصاديق واضحة له، مما يجعل الخيارات مفتوحة أمام التأويلات في داخل كل دولة، إضافةً إلى عدم وضوح آليات تطبيق الاتفاقيات الأمنية والدفاعية، إن تم اعتمادها، من قبل هذه الدول، التي باستثناء الكويت، لا يوجد بها تمثيل حقيقي لشعوبها، كي يتم استفتاؤهم على بنود هذه الاتفاقيات، التي غالبًا - كما بينت تجارب سابقة- ما تكون تتضمن وسائل لقمع الشعوب بحجة الأمن.
إضافةً إلى أنها تدفع هذه الأنظمة نحو مزيدٍ من صفقات سلاح، يستفيد منها الغرب وأمريكا، عبر شركات السلاح لديهم من جهة، ومتنفذين من العوائل الحاكمة في هذه الدول من جهة أخرى، بحجة الدفاع والحماية، مع غياب مجالس تشريعية تمثل الشعب، لتراقب وتحاسب هذه الأنظمة، ووفق معطيات أمنية لا تعتمد على معلومات دقيقة وصادقة، بل مجرد تكهنات لدواعٍ مذهبية وقومية وعرقية، لتبقي شعوبها تعيش فوبيا مصطنعة من عدوٍ وهمي، وتبقى هذه الشعوب منشغلة عن الاستحقاقات الحقيقية للإصلاح، مما يعزز وجودها تحت سيطرة وضبط هذه القيادات.
إضافة لمكافحة الإرهاب، يأتي تطوير القيادة والسيطرة والاتصالات لمنظومة درع قوات الجزيرة، مطلبًا مهمًا ضمن عنوان حماية دول مجلس التعاون وشعوبها. وكلنا يعلم الدور الذي لعبه درع الجزيرة في قمع الثورة البحرينية، وتمكين النظام البحريني من إحكام قبضته على المعارضين، بتقديم العون البشري والعتاد والخبرات له، وهو ما يعني دعم آليات قمع الشعوب المطالبة بحقوقها المشروعة، وهي رسالة مبطنة لشعوب المنطقة مفادها: "البحرين عبرة لمن لا يعتبر"، فأي حماية يريد هؤلاء تحقيقها لشعوب المنطقة؟
اليوم، نجح استمرار حراك الشعب البحريني المطلبي والسلمي، شعارًا وتطبيقًا، إذ عجز النظام البحريني، إلى الآن، عن إيجاد أي دليل حقيقي يثبت عدم سلمية الحراك، وكل ما ادعاه هو فبركات، ادعى فيها استخدام أسلحة أو تهريبها، كادعائه تدخل إيران في الحراك البحريني، وهو ما نفاه السيد بسيوني في تقريره، وهو ما يعتبر نقطة قوة تُحسب للمعارضة، فاستمرار الحراك السلمي سيُفشل كل محاولات القمع الأمنية، التي سوف تتطور في الفترة القادمة.
اعتبار الأمن والحماية والدفاع أولوية في هذا المؤتمر، يثبت تقديم الأمن على الفرد والشعب، وتقديم أمن الدولة على أمن الشعوب، وكما ورد في التصريح، يوضح تصاعد الوتيرة الأمنية، والقمع في المرحلة القادمة، لحماية الأنظمة في الخليج وليس الشعوب، ويوحي بازدياد الوضع سوءًا في البحرين، وإحكام القبضة الأمنية، وإطلاق العنان لكل الفرضيات الأمنية في كبح جماح استمرار هذا الحراك، الذي باتت شعوب المنطقة، رغم كل محاولات تشويهه، تستلهم منه الأفكار السلمية والثبات والصبر.
الإستمرار، رغم كل الظروف، يعني بالضرورة تحقيق المطالب. وهو ما سوف يدفع باقي شعوب دول الخليج للاقتداء بهذا الحراك، وهذا ما لا تريده الأنظمة في المنطقة أن يتحقق، وسعت لذلك بكل الوسائل، وأهمها على الإطلاق التفرقة المذهبية، التي قسّمت شعوب المنطقة ونجحت إلى حدٍّ بعيد في تشتيت أولوياتهم، وإشغالهم بالأمور الفرعية، عن السعي للمطالبة بالحق في المشاركة في الحكم، وتحقيق العدالة، ومواجهة الفساد والتنمية.
باختصار، الأولوية الأمنية، بحجة حماية الشعوب، لا توحي إلا بلجوء هذه الأنظمة لمزيد من القمع والتضييق لأجل حفظ موقعيتها في الحكم، وهو ما يجب أن تعيه شعوب هذه المنطقة، وتبتعد عن كل محاولات تمزيقها، وتشتيت أولوياتها، وتفريق جهودها، وخندقتها بدعاوى مذهبية، أو فوبيا هي تصنعها لأجل حماية أنظمتها وليس أمن شعوبها.
* كاتبة من الكويت.