» رأي
البحرين على صَفِيحٍ ساخن .. تأمّلات في الحوار المنشود
يوسف مكي - 2013-01-24 - 10:15 ص
يوسف مكي*
كثُر الحديث حول الحوار في الآونة الأخيرة، وتأكيدًا لذلك جاءت دعوة وزير العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف لـ "ممثلي الجمعيات السياسية والمستقلين من مكوّنات المجتمع السياسي في البحرين لاستكمال حوار التوافق الوطني في المحور السياسي" وأضاف وزير العدل أن ذلك " يأتي تأكيدًا لما ورد في الخطابات الرسمية من أن باب الحوار الوطني الهادف والجاد لم ولن يُقفل".
حاولنا نقل كلام وزير العدل بحرفيته، لقراءة ما وراء السطور، وإبداء الملاحظات التالية:
أولًا: فيما يتعلّق بمقوِّمات الحوار:
للحوار أصول وفصول، وتتمثل هذه الأصول والفصول في تبييض السجون حالًا وفورًا، وإلغاء كل الأحكام الصادرة بحق المعارضين، وترك الناس يمارسون حرية التعبير، بعيدًا عن الشوزن وأدخنة الغازات السامة وغير السامة. أما أن يستمر القمع، ويدعو النظام إلى الحوار فهذا ضحك على الذقون، فلا يوجد حوار تحت حِراب قوات الشغب. وواضح أن الواقع في البحرين يُكذّب جدية دعوة النظام إلى الحوار.
ثانيًا: فيما يتعلق بأطراف الحوار:
وزير العدل يدعو ممثلي الجمعيات السياسية والمستقلين. يتساءل المرء: أي جمعيات سياسية؟ وأي مكونات المجتمع السياسي؟ ولكن الوزير سرعان ما يبادر بالإجابة بأن الدعوة هي لاستكمال حوار التوافق الوطني في المحور السياسي. وواضح أن الحوار المزعوم هو استكمال لحوار الكوكتيل، الذي جرى في النصف الثاني من عام 2011، أو النسخة الثانية منه لعام 2013. وواضح أيضًا، أن الدعوة ستشمل كل ما هبَّ ودب، من الدكاكين السياسية وغير السياسية، ومن المستقلين الذين لا لون لهم ولا طعم ولا رائحة، اللهم إلا الولاء للنظام والتسبيح بحمده. هذا ليس حوارًا بل فخًّا للمعارضة، أو حفلة أقرب إلى الهزل. وإذا كان لا بد من الحوار الجدي، فيجب أن يكون بين المعارضة وقياداتها، وخاصةً القيادات التي في السجن، فقط، وبين النظام، وهذا هو جوهر المشكلة السياسية.
ثالثًا: في تنظيم الحوار:
إن الإعداد والتنظيم لحوار جاد لإخراج البلاد من الأفق المسدود لا يتم من قبل النظام لوحده، بل من قبل النظام والمعارضة، لأن المشكلة السياسية هي بين النظام ومواليه من جهة، والمعارضة وجماهيرها من جهة أخرى. أما أن تأتي المبادرة من قبل النظام فتلك مصيدة للمعارضة، لأن الحوار الحقيقي، إذا كان النظام راغبًا حقًا في ذلك، من المفترض أن يدور حول أشياء وقضايا محددة ومتفق عليها، ويهيأ له بخطوات إجرائية من قبل الطرفين، وهي كذلك قضايا جوهرية تتعلّق بالحُكم، وليس كما يقول وزير العدل حول "المحور السياسي"، وهو تعبير فضفاض، وليس حوارًا امتدادًا لحوار الكوكتيل، الذي فصّله النظام على مقاسه ووفقًا لهواه. وهو في هذه النسخة الثانية من الحوار سيكرّر النسخة الأولى.
رابعًا: في الحوار الجاد:
يقول وزير العدل أن الحوار يأتي تاكيدًا لما جاء في الخطابات الرسمية، من أن باب الحوار الوطني الهادف والجاد لم ولن يُقفل. هذا كلامٌ غير صحيح، بل غياب الحوار هو الصحيح، لأنّ الأنظمة القمعية -كالنظام البحريني– ليس من شيمها منطق الحوار، إنما منطق القمع، وقتل المعارضين والمخالفين للنظام. ولو كانت هناك استجابة حقيقية من قبل النظام للحوار لما وصلت البحرين إلى ما وصلت إليه من أزمة طاحنة، تُنذر بأسوأ الاحتمالات. الأصح، لا يوجد حوار، فالقبائل لا تتحاور بل تُقاتِل وتتقاتَل، وما يوجد بالفعل هو حوار الشوزن والغازات السامة وغير السامة في مواجهة المطالب الشعبية.
أما الحوار الجاد فهو يعني أن يتحاور النظام مع مُعارضيه وليس مع مُواليه. الحوار الجاد معناه أن يكون هناك حوارٌ استراتيجي بين النظام مباشرةً، مع المعارضة، بشِقَّيها الرسمي وغير الرسمي، المُغيَّبة في السجون، وأن يدور الحوار حول قضايا سياسية جادة، أي قضايا استراتيجية تنظّم العلاقة، وبشكلٍ نهائي، بين الحاكم والمحكوم. هذا هو معنى الحوار الجاد والاستراتيجي، وليس ما يريده النظام، وما يطرحه من قضايا ثانوية وجانبية.
خامسًا: النظام الحاكم والحوار:
بتقديرنا، النظام غير جاد في الحوار، إنما جاد في تنظيم حفلة أخرى من حفلات الكوكتيل، محاولًا إظهار نفسه أمام حلفائه الإقليميين والدوليين بأنه راغب وجاد في الحوار، لكنه، بطبيعته وبُنْيَتِه القبلية، غير قادر على ممارسة الحوار الحقيقي الاستراتيجي، والدليل على ذلك أنه –الحكم- انقلب على مبادرة ولي العهد السباعية، وهي كلها قضايا استراتيجية، ومن شخصٍ موقعه استراتيجي في بُنْيَة الحكم، لكنه أُبعد ومكث في الظل طوال هذه المدة، وتم إلغاء القضايا السبع التي طرحها.
أما أن يُطرح الحوار من قبل وزير العدل، ولدى المعارضة ملاحظات كثيرة على أدائه وأداء وزارته، فذلك مؤشّرٌ سلبي، ولا يُشجّع على شيء اسمه حوار، بل على حفلة من أي نوع، أو حوار (طرشان). فالحوار المصيري والاستراتيجي بحاجة إلى أشخاص استراتيجيين، واتخاذ قرارات استراتيجية.
سادسًا: الأُفُق والمخارج:
من حيث المبدأ، لا أحد ضد الحوار، ولا بد من الحوار، ولكن هذا الحوار، كأي شيء يراد له النجاح والوصول إلى أهدافه المرجوة، لا بد من أن تتوافر له بعض المقومات. وفي تقديرنا تتمثّل هذه المقومات في الأمور التالية:
• تبييض السجون، حالًا وفورًا، من كافّة المعتقلين والمحكومين.
• الاتفاق بين النظام والمعارضة، الرسمية وغير الرسمية، على أجندة الحوار وأسس الحوار.
• إقالة الحكومة فورًا، وتشكيل حكومة اتحاد وطني ومن شخصيات مُعبِّرة ومحترمة لإدارة الحوار المُزمع.
• تحديد سقف زمني لإنجاز ما يتم الاتفاق عليه بين المعارضة والنظام.
• خروج القوات السعودية وغيرها، انطلاقًا من أن ما يجري هو شأن داخلي يحله البحرانيون مع بعضهم البعض، وهم قادرون على ذلك.
• وقف التجنيس السياسي حالًا.
• تحييد الإعلام الرسمي.
• ترك الناس يتظاهرون ويُعبّرون عن مطالبهم دون قيود، وعدم قمعهم من قبل قوات الشغب.
• إبعاد البلاد عن التجاذبات الإقليمية، واحترام استقلال البحرين.
• وجود ضمانة، لما يتم الاتفاق عليه بين النظام والمعارضة، من طرفٍ ثالث يحظى بقبول الطرفين.
ختامًا:
يبدو أن النظام يحاول طرح قضية الحوار في هذا الوقت بالضبط وكأنه يريد استباق الحراك الشعبي في 14 فبراير، وذلك بمناسبة الذكرى السنوية الثانية لثورة 14 فبراير.
وأظن أن النظام لن يُفلح في تمرير حواره، لأنه ليس جادًا في ذلك، ولأنه لا توجد مقوِّمات للحوار، وعليه ستظل البحرين تعيش على صَفِيحٍ ساخن، حتى يقتنع النظام بجدوى الحوار والحل السياسي، الأقل كُلفةً من الحل الأمني الذي ينتهجه منذ سنتين ودون فائدة. وحتى ذلك الحين ستظل البحرين في حالة ثورة دائمة، و14 فبراير على الأبواب.
* باحث بحريني في علم الاجتماع.