لماذا الثورة؟
جواد عبد الوهاب - 2013-02-14 - 7:16 ص
جواد عبد الوهاب*
منذ تفجر ثورة الرابع عشر من فبراير عام 2011 في البحرين، وكثير من الأسئلة تتراقص في أروقة المهتمين والباحثين عن الحقيقة، خاصة أن ما روجت له السلطة طوال العقد المنصرم كان كفيل بأن يحشو أدمغة المتتبعين للشأن البحريني بأن تحولا كبيرا باتجاه الديمقراطية قد حدث فعلا في هذه الجزيرة الصغيرة التي تحتضن قيادة الأسطول الخامس للجيش الأمريكي.
لقد كان الواقع البحريني الذي تفجرت فيه الثورة لا يختلف كثيرا عن واقع الدول غير الديمقراطية التي حدثت فيها ثورات الربيع العربي .
وقد أفرز هذا الواقع الذي مضى عليه أكثر من أربعين عاما، استمرار الفساد المالي والإداري وتأصل الدولة الأمنية ومصادرة حقوق المواطنين الطبيعية التي كفلتها كافة المواثيق والعهود الدولية ذات الصلة. كما تفاقمت سياسة التمييز وشيدت الدولة على أساس التمييز القبلي والطائفي والمذهبي، وتم تهميش المواطن في مختلف المناطق، وجرى العمل على تكميم أفواه المعارضين السياسيين، ومنعت فئات من المواطنين من الالتحاق ببعض الوزارات كوزارتي الدفاع والداخلية، في تعبير جلي عن التمييز الصارخ.
لا تقتصر الأمور على ما سلف ذكره، بل تجاوزت السلطة كل القيم الإنسانية والأخلاقية في تعاطيها مع شعب البحرين فأمعنت في انتهاج سياسة الإذلال والتمييز وقامت بتهميش الأغلبية على كافة الصعد. بل تعاملت معه بقسوة عندما خرج مطالبا بحقوقه المشروعة فقتلت وسجنت وشردت واعتدت على الاعراض والمقدسات، بل استجلبت جيوش مجلس التعاون الخليجي لتمارس مع الشعب فن التنكيل وممارسة أبشع الإنتهاكات بحقه.
إن ما يدور في البحرين منذ الرابع عشر من فبراير 2011 هو صراع بين فريقين: فريق يطالب بالديمقراطية والحرية والعدالة، وهو الشعب البحريني بكل مكوناته الايديولوجية والسياسية والمجتمعية والاثنية ، وبين فريق يعمل على ابقاء الوضع على ما هو عليه دون تغيير رغم الحاجة الملحة لعملية التغيير اللازمة لتطوير واقع البلاد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي.
لقد تساءل الكثيرون لماذا يجب أن يسقط الشهداء في البحرين هذه الأيام؟ ولماذا الدم والألم؟ وهل هناك ضرورة لكل ذلك؟ ألا تكفينا كربلاء وعاشوراء واحدة حتى تتحول كل أرضنا إلى كربلاء وأيامنا إلى عاشوراء؟ ثم ألا يوجد سيل آخر للحرية والكرامة بدون شوك؟ ولماذا نقدم قرابين الشهداء كل يوم والى متى؟ ثم لماذا تمتلئ السجون بالأحرار والشرفاء وخيرة شباب هذا الوطن الذي يشهد النكبات تلو النكبات وهجمات على البيوت وتدنيس للمقدسات؟
تساؤلات كثيرة تأخذ مكانها في أدمغتنا كلما سمعنا بسقوط شهيد هنا أو هناك، أو مداهمة منزل، أو اعتداء على عرض.. قد تبدو بعض هذه التساؤلات معقولة إذا نظرنا إلى تطلعات الأشخاص الفردية بعين الاعتبار .. فنحن كبشر لا نحب منظر الدماء، ونحن كعقلاء نعرف جيدا إذا اتخذنا طريق التنازل عن الحقوق فانه لن يلفنا السجن ولن نضطر إلى الهجرة ولن نتعرض لأي أذى .. كما أننا نعرف الطريق جيدا إلى (مصفى هذا العسل ولباب هذا القمح) شأننا شأن أولئك الذين باعوا أنفسهم للشيطان فارتاحوا في الدنيا أياما معدودة ثم انقلبوا إلى جهنم و بئس المصير .
لكن هناك قضية خطيرة .. فلو كنا حين ننظر بعين البصيرة إلى البحرين فنرى فيها سلاما ودعة وأمانا، لربما لم يكن البحرينيون ليثروا .. لكننا على العكس من ذلك، فحينما نوجه أنظارنا إلى البحرين لا نرى غير وحوشا كاسرة نزع الله الرحمة من قلوبهم تتحكم في مصير أهلنا فتقتل وتعذب الشباب والأطفال والشيوخ والنساء، وتدنس المقدسات. وتهلك الحرث والنسل وتقصف الآمنين بالغازات السامة . فهل يجوز للبحريني أو أي إنسان آخر أن يسكت ؟ هل تسمح لنا ضمائرنا أن نستعرض كل هذه المآسي ولا نفعل شيئا تجاه ذلك؟ وهل خلقنا الله لكي نعيش في غابات أم أننا بشر ومن حقنا وواجبنا أن نجاهد ونكافح وأن ندفع ضريبة الدم لكي نتخلص من الظلم والعدوان الذي يجري على شعبنا؟
إن شعبنا البحريني البطل ثار لتغيير المعادلة بعد أن يئس من الوعود، وقدم شبابنا أرواحهم لكي يمنعوا الإذلال حيث حرم الله الذلة على المسلم (وهيهات منا الذلة) .. لقد ثار شعبنا لأن أسباب ثورته على الظلم والاحتلال قد تحققت .. إن شعبنا في البحرين يجاهد للتحرير، ويناضل للاستقلال، ويكافح للحرية.
ثم كيف لا يقدم البحرينيون أنفسهم قرابين وهم يرون أن أمريكا التي تحمي قاتليهم ومنتهكي حقوقهم والتي تفتخر برقيها وتقدمها تكرس إعلامها لإدانة من يصطاد عصفورا أو يقطع شجرة، فهذه جرائم في نظرهم بحق الحضارة. لكنها تصمت أمام من يصطاد الأرواح البحرينية الآدمية، وتكتسح مدرعاتها المناطق والقرى أمام أعين الكاميرات.لقد بلغت رقة الإنسان المتحضر في أمريكا والغرب حدا جعله يتألم على حشرة مهددة بالانقراض، أو ماشية يتغذى عليها بنو الإنسان، فتنتشر المنابر التي تستهجن حتى مستخدمي فراء الحيوانات .. لكن كل تلك الرقة تنام أمام مشهد الأطفال الذين يختنقون بالغازات السامة جراء قصف مناطقنا وقرانا بها.
إن الذين يقدمون أرواحهم في ساحات الوغي في البحرين ليسوا كارهين للحياة، وليسوا عشاق موت، فلديهم ما لدى البشر من أسباب البقاء، لكن العدو الذي يقف كالسد بينهم وبين الحياة حول نفسه إلى مشروع موت، يطارد كل حي وميت منهم ، إنما يقترح نفسه عدوا للحياة برمتها .. وهكذا يعيد شعبنا المعادلة التي تعرضت إلى تحوير فيما مضى إلى جذورها وهي إما الحياة وإما الموت .. إما الاستقلال أو الاستشهاد.
* كاتب من البحرين.