» رأي
من يحكم البحرين؟ وجهة نظر من منظور مختلف
يوسف مكي - 2013-03-15 - 6:59 ص
يوسف مكي*
من يحكم البحرين؟ ربما يكون السؤال بسيطًا أو ساذجًا لفرط بداهة الإجابة وهي: أن من يحكم البحرين قبيلة/ عائلة آل خليفة، بما أنها احتلت هذه الجزر منذ 1783 حتى الآن.
لكن هذا جواب عام لا يقدم كثيرًا في ظل الملابسات التاريخية والأوضاع السياسية المتردية التي يعيشها هذا البلد منذ لحظة الاستيلاء الخليفي عموما، ومنذ 14 فبراير 2011 على وجه الخصوص. لذلك نعود للسؤال، متطلعين في ذلك إالى إجابة من نوعٍ ما، قد تبدو مُخالِفةً لما هو رائج.
وارتباطًا بالسؤال الأول: من الذي يحكم البحرين من عائلة آل خليفة؟ خاصةً إذا ماعرفنا أن العائلة ليست كتلةً صماء من الناحية السوسيولوجية، ولا من الناحية الفكرية، وليس أفرادها على قدم المساواة في المغانم والأسلاب، ولا في المقامات، ولا في المناصب. فحتى في عائلة آل خليفة هناك أصيل وبيسري (غير أصيل). فهي، ككل المجموعات الاجتماعية والقبلية، يوجد فيما بينها تباينات موضوعية بالضرورة، وصراع مصالح، وتباينات طبقية. نقول، وارتباطًا بذاك السؤال، يصبح الجواب أكثر تعقيدًا، وليس بديهيًا كما يتبادر إلى الذهن لأول وهلة.
لنعد إلى سؤالنا: من يحكم البحرين؟
يحلو لكثيرين القول/ الإجابة – خصوصًا في الآونة الاخيرة - أن البحرين تُحكم من قبل ثلاثة أجنحة هي: جناح الملك وولي عهده وما يمثله على صعيد العائلة، وجناح خليفة بن سلمان رئيس الوزراء (عم الملك) و ما يمثله على صعيد القبيلة، وجناح المشير ووزير الديوان الملكي (المعروف بالخوالد أو الشقيقين) وما يمثله من مراكز قوى في القبيلة، وربما يضاف إليهم جناح آل عبد الله (الصامت) الذي ينتسب إلى عبد الله بن أحمد، الذي حكم بشكل ثنائي مع أخيه سلمان 1796-1825، ثم استفرد بالحكم ابتداءً من سنة 1825، والذي تم إقصاؤه من قبل جناح أبناء أخيه سلمان منذ 1843 .
ومع ذلك ظل الصراع بين هذين الجناحين ردحًا من الزمن، حتى تدخل الإنكليز لصالح جناح سلمان وحُسم الوضع لصالحه، وعين الإنكليز في إثر ذلك الشيخ عيسى بن علي، سنة 1869، بعد مقتل أبيه، علي بن خليفة، على يد أخيه محمد بن خليفة بالتحالف مع أبناء عبد الله بن احمد (المبعدين)، وفي مقدمتهم ابنه محمد بن عبد الله، حيث تم نفيهم جميعًا إلى الهند من قبل السلطات البريطانية.
ومنذ تلك اللحظة، بقي الحكم في جناح سلمان، على الرغم من المنافسات والمؤامرات فيما بين شيوخ هذا الجناح حتى الوقت الحاضر. أما جناح عبد الله فقد أبعد تمامًا من مفاصل الحكم. وهكذا تعاقب حكام آل خليفة من جناح سلمان ومن خط من خطوطه، هو ذرية عيسى بن علي فقط، وما زال هذا الخط هو الذي يحكم البلاد ويسيطر على مفاصلها.
هذا بشكلٍ عام. أما في الوقت الراهن، وعلى امتداد الخمسة عقود الأخيرة، فيمكن القول أن جناح خليفة بن سلمان هو الحاكم الفعلي للجزيرة، وقد ارتبط بروز خليفة بن سلمان بقيام مؤسسات الدولة وتبوئه للعديد من المناصب، ابتداءً من 1956، عندما تم تشكيل أول مجلس إداري لإدارة البلاد (المجلس الإداري). في حين أن أخاه عيسى بن سلمان، الذي أصبح أميرًا بعد وفاة أبيه سنة 1961، لم يكن حاضرًا في تشكيل وإدارة شؤون الدولة. وقد اتضح نفوذ خليفة بن سلمان لاحقًا من خلال رئاسته لمجلس الدولة – تأسس سنة 1970 - الذي أصبح مجلس الوزراء بعد الاستقلال. واستمر هذا الجناح في السيطرة المطلقة والهيمنة على مقدرات الحكم والدولة واتسع نفوذه، وقام بإبعاد المنافسين المحتملين، كما حدث للشيخ محمد بن سلمان شقيق رئيس الوزراء الأصغر الذي تمّت تنحيته من أهم المواقع، وهو موقع الأمن العام. ثم تجريده من أي منصب سياسي، وتوارى بعد ذلك ابتداءً من سنة 1971 حتى وفاته.
وبعد الاستقلال مباشرةً، وفترة المجلس الوطني القصيرة، والتي قام هذا الجناح بالانقلاب عليها، استطاع هذا الجناح أن يفرض سيطرته وسطوته، ويتوسّع من خلال الإمساك القوي بمفاصل الدولة، خاصّةً الأمن والاستخبارات وأجهزة القمع. وعليه يمكن القول أن وزارة الداخلية وأجهزة القمع تُعتبر من الممتلكات الخاصّة لهذا الجناح، لا ينافسه فيها أحد من الأجنحة، وعلى الرغم من أنّ وزير الداخلية الحالي من المحسوبين على الملك، وقد كان يهدف إلى تقليص نفوذ عمّه، فإنّه لم يستطع. مما يعني أنّ نفوذ جناح خليفة بن سلمان أكثر قوّة وإدارة لشؤون البلاد، وهو الذي يقرّر في شؤون القبيلة حتى الآن، وقادرٌ على الالتفاف على أي إجراءات تحدُّ من سطوته وسطيرته .
أمّا فيما يتعلق بما يُسمّى جناح الخوالد، فيبدو أن هناك تضخيمًا لهذا الجناح، فعلى امتداد أبناء وأحفاد خالد بن علي آل خليفة، لم يكن لهؤلاء أي نفوذ. حتى في ظلّ حكم عيسى بن علي كان أخوه خالد بن علي مجرّد إقطاعي، مثله كبقية الشيوخ يحكم إقطاعية سترة وتوابعها من القرى، وكما هو معروف كان كلُّ شيخ يتصّرف في إقطاعيته كيفما شاء حتى تمّ عزل عيسى بن علي، ومَرْكَزَة الحُكم، فاحتجّ الشيوخ على تجريدهم من حكم الإقطاعيات، ومن ضمنهم خالد بن علي، الذي كان يجبي ضريبة (الرقبية) المفروضة على أهالي منطقة سترة، فقام بإثارة القلاقل في وجه الحاكم الجديد، ابن أخيه حمد بن عيسى.
ولكن وكما يقول الرميحي “ولقد كان هذا هو حال الكثير من أفراد الأسرة الحاكمة الكبار" المتضررين من إصلاحات الميجر ديلي وعزل الشيخ عيسى بن علي، لكنّه في كل الأحوال لم يكن يمثّل جناحًا فاعلًا في الحكم، أو خطرًا على مسيرة الحكم، ولم يمثّل حقًّا تاريخيًا في الحكم بالنسبة لأولاده أو أحفاده الحاليين؛ المشير ووزير الديوان الملكي، وقد يكونان من العناصر المُتشدّدة في العائلة، لكنّهما لا يحظيان بقبولٍ واسع بين أفراد العائلة الخليفية ليستطيعا أن يمثلا جناحًا في الحكم، او نفوذًا مقرّرًا في العائلة.
ولو افترضنا أنهما يشكّلان جناحًا داخل العائلة، فهو جناحٌ مُساند لأجنحة أخرى، لكنّه ليس جناحًا مقرِّرًا في العائلة، وإذا صحّت التكهّنات، فهو امتداد لجناح خليفة بن سلمان، وليس إلى جناح الملك، لكنّه بالـتأكيد ليس هو الجناح الذي يحكم، ولا الجناح الذي يُقرّر كما يُشاع هذه الأيام، ولا يجب إعطاؤه أكثر من حجمه الحقيقي، وهو أضعف من أن يُقرّر في شؤون حكم القبيلة وفي مصائرها، ناهيك عن البلاد.
نصل إلى جناح الملك، وهو الذي ظهر بعد مجيء الملك حمد بن عيسى إلى سُدّة الحكم في مارس سنة 1999، وإلى جانبه ابنه ووليُّ عهده سلمان بن حمد. وبالفعل حاول الملك جاهدًا أن يكون له اليد الطولى على مستوى القبيلة والبلاد، وتعويض غيابه من مركز القرار عندما كان أبوه أميرًا للبلاد، حيث كان العم هو الحاكم دون مُنازع .
وقد ظلّ العم يمارس دوره دون ان يتغيّر عليه شيء، حتى المحاولات التي قام بها الملك ووليّ عهده في بداية عهدهما، لإخراج البلاد من أوضاعها المُتردّية، التفَّ عليها، فما كان من الملك ووليّ عهده إلا أن قاما بتدشين مجلس التنمية الاقتصادية، لعلَّ وعسى يتغلبان على عمّهما، وهو أشبه بحكومة موازية لحكومة العم العزيز، ومع ذلك استطاع جناح خليفة بن سلمان إفراغها من محتواها، والالتفاف عليها. ومع مرور الوقت أصبح هذا المجلس عبئًا على أموال الدولة، وقد تمَّ تجريده من صلا حيّاته تمامًا مع ثورة 14 فبراير، من قبل جناح خليفة بن سلمان، وهو ما يتجلّى في سيطرة المحسوبين على جناح خليفة على البوليتكنك، وكلّية المعلّمين، ومعهد البحرين للتدريب، وغيرها من المؤسسات المحسوبة على وليّ العهد. إنه شكل من أشكال التجريد .
وهذا يعود، في تقديرنا، إلى ضعف جناح الملك على صعيد القبيلة، حيث قيادات القبيلة هم من جيل خليفة بن سلمان، وتراكمت مصالحهم خلال عهد خليفة بن سلمان، وليس في عهد الملك ووليّ عهده.
أكثر من ذلك أنّ جناح الملك ووليّ عهده ظلّ غائبًا خلال السنتين الأخيرتين من حركة 14 فبراير، وكأنّهما أشبه بالظاهرة الصوتية، في حين أنّ الفعل على الأرض مفقود، بينما جناح خليفة بن سلمان يُمارس الحُكم وكأنّه الحاكم الفعلي، من خلال العديد من المؤشّرات، أقلّها صور خليفة بن سلمان، التي طغت على صور الملك وولي عهده في كلِّ مكان، والتلاعب بأوضاع البلد.
وما تعيين وليّ العهد نائبًا أوّل لعمّه الآن إلا خطوة متأخّرة كان من المفترض أن تتم منذ مجيء الملك، قبل أكثر من عشر سنوات، لكنّه لم يستطع ذلك، لضعف الجناح الذي يمثّله، أما تعيينه الآن في هذا المنصب، فلا يُعبّر عن قوّة جناح الملك، بقدر ما يُعبّر عن ضغوط أمريكية بريطانية سعودية مُساندة للملك في الحدِّ من دور عمّه.
وفيما يبدو، من خلال الأفق المنظور، أنّ تعيين وليّ العهد نائبًا أول لرئيس الوزراء لن يفضي إلى شيء، ووقائع الأحداث القريبة تشير إلى أنّ وليّ العهد قد تمّ تهميشه بعد طرحه مبادرة الحوار السباعية، وفي هذا التعيين الأخير لن يكون وضعه بأفضل من السابق، حيث سيلتف العم العزيز، وما يُمثّله من مراكز قوى في القبيلة، على نائبه الجديد.
نخلص إلى القول، أن جناح خليفة بن سلمان هو الحاكم الفعلي في القبيلة وفي البلاد، بما يُمثّله من وزنٍ تاريخي، على صعيد القبيلة من جهة، وبعض فئات المجتمع النافذة من جهة أخرى، وما يحظى به من دعم دول خليجية ترى في زواله سابقة تاريخية يجب ألا تحدث. نعم هذا هو الجناح القوي، الحاكم الفعلي للجزيرة، وليس ما يشاع عن جناح الخوالد.
*باحث بحريني في علم الاجتماع