«إرث» بريطانيا في البحرين باق بعد رحيل هندرسون: ناطور وراء كل برميل نفط!
2013-04-17 - 3:39 م
عضو المجلس الوطني السابق المنحل عام 1975 جاسم مراد
مرآة البحرين (خاص): كان جاسم مراد، عضو كتلة الشعب في المجلس الوطني السابق المنحل عام 1975، يردد دائما قولاً مأثوراً ذا دلالاته السياسية، مفاده: "تزرع بريطانيا وراء كل برميل نفط.. ناطوراً".
بهذه الكلمات ، اختزل مراد تاريخاً تعاقبت فيه هيمنة المسؤولين البريطانيين الأمنيين على مفاصل الأمن الوطني، وأجاب على الكثير من التساؤلات التي شغلت السياسيين البحرينيين في فترات محطات نضالاتهم ضد الاستعمار حتى هذه المرحلة من الاستعمار الجديد الذي يتخذ "واجهة وطنية"، أو ما يطلق عليه بالاستقلال الشكلي، حيث مفاصل الأمن ما زالت بيد البريطانيين ومن يٌرشحونهم من دول أخرى ينالون ثقتها (بريطانيا) أولاً وآخيراً، والأهم، من لهم تاريخ حافل بالإجرام وأساليب القمع. فالشواهد كثيرة وموثقة بريطانياً، وبطبيعة الحال موثقة بحرينياً.
علي ربيعة، نائب سابق وعضو كتلة الشعب وأحد قادة انتفاضة مارس 1965 المجيدة، قال لـ"مراة البحرين" التقيت بهندرسون بعد إطلاق سراحي في العام 1966 بعد مجيئه الى البحرين، وفي أول لقاء معه قال لي "الوضع سيسير نحو الأفضل. سيكون انفراج سياسي يزخر بالحريات السياسية. لن يُعتقل أحد بعد الآن. نحن نأسف لاعتقالكم، وكان من المفترض ألا تعتقلوا بسبب آرائكم السياسية". حينها، كان قد تم الافراج عن عددٍ من قيادات "انتفاضة مارس" من بينهم أحمد الشملان وعبدالله مطيويع وآخرين عدا المناضل علي دويغر الذي ظل قابعاً خلف القضبات لم يفرج عنه، باعتباره (وفق تقديراتهم) من أخطر القياديين في "جبهة التحرير الوطني البحرينية"، حيث كان آخر من تم الإفراج عنهم من انتفاضة الستينات.
وأضاف ربيعة "كان هندرسون يكذب بطبيعة الحال. تبخرت وعوده بسرعة عن "بحبوحة الحريات" بعد أقل من عامين. ففي عام 1968 شنت سلطاته حملة اعتقالات كبيرة على صفوف اليساريين المتمثلين في جبهة التحرير بعد اعتقال المناضل والموسيقار الراحل مجيد مرهون، وشملت الاعتقالات أكثر العناصر الحركية والقيادية والكوادر المتقدمة في هذا التنظيم اليساري، كما تم اعتقالي في العام 1972 أي بعد عام من الإعلان عن استقلال البحرين".
اعتذر هندرسون لاعتقالات "انتفاضة مارس" عام 1965 وتعهد بعدم اعتقال أحد. ولكنه، كما بريطانيا التي اختارته، وأعطته لقب أفضل المرشحين لشغل وظيفة القسم الخاص (الاستخبارات)، حين طلبت في رسالة ضمن وثيقة سرية صدرت من الدائرة العربية في الخارجية البريطانية، وهي تستجيب من المعتمد أن "يُستحث الشيخ محمد بن سلمان على الترتيب له ومن دون تأخير". هذه شغلة بروتوكولية لا أكثر ولا أقل، ولايمكن رفض طلب لبريطانيا.
وقد صدرت هذه الوثيقة في 11 مارس/آذار 1966 ضمن توثيق، Ret: Ro361/ 185352. 87781.
هندرسون، يتابع ربيعة، "حاكم بأمره مثل المستشار البريطاني بيلغريف فأحد الشروط في عمله هو أن لا يتدخل أحد في ما يفعل، وقد جاء إلى البحرين برفقة 4 ضباط بضمانات "إطلاق يده في المسائل الأمنية من دون حسيب أو رقيب"، وعندما طُلب منه أن يتخصص في نوع معيّن من الجرائم العادية كاد أن يتنازل عن وظيفته فوضع شروطاً في العقد سرعان ما وافقت بريطانيا عليها، وأبرزها تشكيل القسم الخاص وله الحرية المطلقة وتوظيف أربعة ضباط إنكليز وإدارة التحقيقات (C I D) وخدمة السجون ووجود هؤلاء الضباط الأربعة لشغل هذه المناصب.
ووفق وثيقة تحمل رقم FO 371- 185352، سافر هندرسون على متن طائرة بريطانية إلى البحرين في 23 أبريل/نيسان العام 1966، بينما كانت المنظمات السرية مستمرة في توزيع منشوراتها والتحريض ضد الاستعمار والسلطات الرجعية. وبعد الهجمة الكبيرة على اليساريين في العام 1968، احتفل هندرسون ليلاً بالقضاء على الشيوعية في البحرين واجتثاثها وفي صبيحة اليوم التالي من احتفاله تفجأ بإغراق البحرين بمنشورات جبهة التحرير مخيبة آماله ليعترف إن الشيوعية قد تغلغلت في البحرين وإنه جاء متأخراً للقضاء عليها.
قبيل انتخابات 7 ديسمبر/كانون الأول 1973 لأول مجلس وطني، خيب اليساريون ظنه وبريطانيا اللذان كان قد صرحا بأنه سينجح من كتلة الشعب اثنان من مرشحيها في أحسن تقدير، وكانا يعتقدان أن المرشحين الدكتور عبد الهادي خلف وعلي ربيعة هما الوحيدان المؤهلان للفوز من أصل 11 مرشحاً للكتلة، بعد أن رفضت السلطات ترشيح الدكتور علي دويغر وطلبت منه مغادرة البلاد عشية الانتخابات، فقلبت الكتلة الطاولة على توقعات هندرسون وبريطانيا بفوزها بثمانية مقاعد في أول انتخابات تشهدها البلاد بعد "الاستقلال".
يروي البحرينيون حكايات مرعبة عن الأجهزة القمعية، ويتداولون أسماء لضباط بريطانيين وأردنيين وتنزانيين ومن جنسيات أخرى، ويشيرون دائماً إلى إنها تابعة للعائلة الحاكمة التي أوكلتها مهمة تنفيذ مجموعة من الخطط الإجرامية التي تستهدف القطاع الناشط ميدانياً والمعارض سياسياً، بينما في حقيقة الأمر أن بريطانيا تمسك بمفاصل الأمن وليس العائلة قبل مجيئ هندرسون وفي عهده الاستعماري وبعد الاستقلال الشكلي الذي صبغ بالوطني، وكذلك بعد ما يسمى بالاستقلال حتى مجيئي جون ييتس بعد أحداث ثورة 14 فبراير 2011، الذي تدعي بريطانيا انه قام بتعاقد شخصي بينه وبين السلطات البحرينية ولا شأن لها بهذه العلاقة، تماماً كما ادعت في موضوع هندرسون الذي كشفت الوثائق السرية البريطانية فيما بعد تدخلها المباشر باعتباره أفضل المرشحين بعد الفجير المزدوج الذي حدث ما بين السابعة والثامنة بتاريخ 12 مارس/آذار 1966، كما جاء في الوثائق البريطانية السرية.
برزت أسماء لجلادين، مثل: شور، فراكلن، ويت هورس أو جوني ويكر، عفوني كروبي والمجرم محمود حجازي (فلسطيني الأصل أردني الجنسية) وهو أحد المتهمين بتصفية محمد غلوم بوجيري وسعيد العويناتي، وقد استجلبوا إلى البحرين بترشيح بريطاني، مثلهم مثل أحمد محسن مساعد بوب الذي شُل بالتفجير المزدوج عام 1966. وكان محسن، وفق ما يروى، قبل نحو شهر من التفجير دخل على اليساريين البحرينيين وهم يحتفلون في إحدى المناسبات الوطنية، وقال لهم: "أنتم حمام، وبحركة واحدة كما أفعل للشيوعيين الأردنيين أنشّكم فتطيرون"، فـ"طار هو لحم بعد شهر ووقع فحم".
وخلاصة القول أن لبريطانيا اليد الطولى في العمل الاستخباراتي في البحرين وليس العائلة الحاكمة، ولنا في قصة نقل الشيخ عزيز عطية الله من لجنة أمن الدولة إلى خفر السواحل بأمر من هندرسون في الثمانينات، دلالة على أنه كان يقدم تقارير يومية عن الأمن لعيسى بن سلمان، فهذا الأخير كان يقول لهندرسون أثناء تقديم تقريره اليوم "ولدنا أخبرنا بذلك".
وهناك قصة إعطاء الجوازات، حيث تحدث نشطاء سياسيون في مرحلة السبعينات وبداية الثمانينات أنه بعدما تم إطلاق سراحهم التقوا برئيس الوزراء لاستعادة جوازات سفرهم، وكالعادة تعهد خليفة بن سلمان أن تُصرف لهم جوازات جديدة، إلا أنهم لم يتمكنوا من الحصول عليها إلا بأمر من هندرسون شخصياً وذلك بعد مضي أربعة شهور من تعهد الوزير الأول الذي لم يأخذ بأوامره وتوجيهاته.
من ضمن الأمثلة الحديثة، برز إسم جهاز "الأمن الوطني" في شهر يونيو/حزيران من العام 2002 ، ويُعرف عن هذا الجهاز أنه من أهم الأجهزة القمعية حيث يتكون من مئات المرتزقة الأجانب من الذين لا تربطهم أي علاقة بالبحرين، ويتم جلبهم من بقاع العالم الأكثر فقراً كدير الزور السورية وبتان باكستان ومناطق يمنية وأردنية ومغربية وغيرها، لمواجهة وقمع المواطنين البحرينيين ومطالبهم المشروعة، مما يؤكد بوضوح أن لبريطانيا دوراً محورياً في تكوين هذه الأجهزة وهي استراتيجية أمنية دأبت عليها لندن في تعاطيها الأمني في الشأن البحريني لتأمين بقاءها مهيمنة على مفاصل الأمن مع استمرار التوترات. ففي حال استقرار الأمن بإقامة الحُكم الصالح والعادل وببحرنة الأجهزة الأمنية، فلا جدوى لبقائهم ولبقاء المرتزقة الأجانب في البلاد.
بريطانيا تدرك قبل غيرها، وإن تكثر في ادعاءاتها أنه لا شأن لها في الشؤون البحرينية الداخلية، أن تطبيق مهام الحكم الصالح المتعارف عليها بالعالم كله يفترض أن تكون الأجهزة الأمنية والشرطة شريكة في إرساء الأمن والعدل في المجتمع، وأن تكون الطرف الأكثر اهتماماً في إرساء هذه المبادئ وتحقيق العدل وبناء المجتمع الديمقراطي. لكن الأمر في البحرين مختلف، والأمر يرجع إلى بريطانيا واللذين يحنون إلى الماضي الاستعماري سيئ الصيت.