لا وقت لنعتذر
عادل مرزوق - 2011-05-17 - 9:47 ص
عادل مرزوق*
الخليفة الثاني عمر بن الخطاب (رض)
في الدعوة إلى الاعتذار صورة مدنية رفيعة، فالاعتذار يعني بالضرورة الرغبة في تجاوز موضوع الخلاف – أي خلاف - بين طرفين مختلفين. ومنطقياً، يبدو الطرف الذي بدأ الدعوة إلى تقديم الاعتذار وتجاوز ما فات من خلاف، الطرف الأرقى، والأسمى، ولعله الأكثر إنسانية وتحضراً. لكن المشكلة أننا – وبامتياز من نوع خاص – في تجاربنا الشرق أوسطية، أصبحنا التجارب الأكثر قدرة وكفاءة وإبداعاً في تخريب جل ما أنتجته الكونية الجديدة من مفاهيم، وحقوق، وقيم أخلاقية.
وفي الموضوع البحريني، تبادر العديد من الجهات الحكومية، وبإلحاح، إلى طلب تقديم جملة من الإعتذارات عما شهدته البلاد منذ ثورة الرابع عشر من فبراير/ شباط. وبحسب ما طالعتنا به التصريحات الرسمية وشبه الرسمية في أكثر من موقع وسياق، فعلى الوفاق أن تعتذر، وعلى اتحاد عمال البحرين أن يعتذر، وعلى الجمعيات السياسية أن تعتذر، وعلى عبدالهادي الخواجة ونبيل رجب أن يعتذرا، وعلى إبراهيم شريف أن يعتذر، وعلى الأطباء والمهندسين والمدرسين والممرضين والممرضات والمحامين والصحافيين وطلبة الجامعات والعمال أن يعتذروا، وعلى كل من وطأت قدمه أرض دوار اللؤلؤة أن يعتذر.
وموضوع الاعتذار الذي تسعى تلك الأطراف لإثباته هو أن جميع هؤلاء اشتركوا في محاولة فاشلة لقلب نظام الحكم، وأن الاعتذار هو المبادرة الأولى في تسوية الملف البحريني، وتجاوزه!
لن أنكر ما ينتابني من استغراب – ولربما هو قصر في الفهم - من فحوى دعوات الاعتذار هذه، فلا يمكن لعاقل أن يتبنى أو أن يقبل بمعادلة مفادها: "حاول أن تنقلب على النظام الحاكم، فإن فشلت، يكفيك أن تتقدم باعتذار لتنجو من فعلتك!". ما أومن به، وما أجده أكثر منطقية وقبولاً، هو أن الجهة التي تسعى لنيل وتحصيل هذه السلسلة الطويلة من الاعتذارات لا تعرف ماذا تريد؟، والأكثر من ذلك، أنها هي المشغولة بالبحث عن تسوية لهذا الوضع مما تبدو عليه القائمة العريضة من أولئك المُطالبين بالاعتذار، والأهم من ذلك كله، أن دعواتها للاعتذار، ليست أكثر من محاولة بائسة للنجاة من أولوية وحقيقة وصدقية أن تكون هي الطرف الأولى بتقديم الاعتذارات.
وقبل ذلك كله، هو من المفترض أن نسلم وبهدوء، إلى أن تسوية الوضع في البحرين أو أن الخروج من إطار الأزمة قائم ومرهون على "اعتذار" ما سيقدمه الحقوقي عبدالهادي الخواجة أو الأمين العام لحركة حق حسن مشيمع أو حتى الأمين العام لجمعية الوفاق الشيخ علي سلمان، أم أن اعتذار الشيخ عيسى قاسم وحده هو الكفيل بتسوية الوضع وإيقاف عمليات التعذيب وإطلاق سراح المعتقلين وإعادة المفصولين لأعمالهم. ثمة خلل في فهم الأزمة، والأكثر من ذلك، ثمة ما يدعو للسخرية من هذا التسطيح والفهم القاصر لما شهدته البحرين منذ الرابع عشر من فبراير/ شباط، والذي هو في حقيقته، مشاهد وتفاصيل أكبر من أن تتجاوزها البحرين عبر سلسلة من الاعتذارات التي يقدمها هذا الطرف أو ذاك، أو قبولها.
أقول لا للاعتذارات حتى لا أخوض في حديث ساذج حول الطرف الأولى بتقديمها، فهذا الشعب وهو يتحمل – ولا يزال - آلة الدمار والقتل والتشريد والتعذيب والتجويع والتمزيق والفرز الطائفي، هو الأولى بأن يكون الطرف الذي ينتظر أن يعتذر له أحد. أتطلبون ممن توسدت وجوههم – أو ما تبقى من وجوههم المهشمة- التراب أن يخرجوا من قبورهم ليعتذروا؟! أم تطلبون الاعتذار من الأرامل والأيتام لنيف وثلاثين من الضحايا؟! أتطلبون من النساء والأطفال الذين أرعبهم رصاص الطائرات وهي تحلق فوق بيوتهم أن يعتذروا؟! أم تطلبون الاعتذار ممن تذوقوا كأس المر وأهينت كراماتهم في مراكز التوقيف بالتعذيب والإهانات؟! أتطلبون ممن قتلهم الوقت مليون مرة وهم ينتظرون زياراتكم الليلية لتكسير بيوتهم وترويع أطفالهم والتحرش بزوجاتهم وأخواتهم وسرقة أموالهم أن يعتذروا ؟! أم تطلبون الاعتذار ممن قطعت أرزاقهم ظلماً وبهتاناً حتى مدوا أيديهم طلباً للمعونة؟! أتطلبون ممن طالبوا بكل سلمية وتحضر بمملكة دستورية تحفظ للعائلة الحاكمة حكمها وتعطي الشعب حريته وكرامته أن يعتذروا؟! أم تطلبون الاعتذار ممن كفرهم نوابكم وفقهاءكم لتراق دماؤهم وتهدم مساجدهم؟!
لا وقت للاعتذار، فالشرخ كبير والجرح لما يندمل، وخلاف أن يخرج دعاة القتل والتعذيب – ولا أقول دعاة الحل الأمني فما اقترفه هؤلاء ليس حلاً أمنياً بل هو استهداف طائفي وخرق لمعاهدات وحقوق أقرت البشرية جمعاء باحترامها - والفرز الطائفي من دائرة الضوء لتعود لغة العقل والحوار واحترام حقوق الإنسان وما نص عليه ميثاق العمل الوطني والمواثيق والمعاهدات الدولية التي وقعت عليها الدولة واقرت الالتزام بما ورد فيها من حقوق للمواطنين، فإن أي تسوية لن تستطيع العودة بالبحرين لما قبل الرابع عشر من فبراير/ شباط.
على الصف المتشدد والمهووس بالعنف والممسك بإدارة خيارات الدولة حالياً أن يرحل، وأن يعود ولي العهد وأن تعود مبادرته إلى الإمساك بإدارة الملف من جديد، وخلاف ذلك فإن أحداً لن يستطيع تسوية هذا الوضع والخروج بالبحرين وشعب البحرين إلى فضاء التسوية والبحث عن فضاء جديد يستطيع أن يجمع أبناء هذا البلد من جديد.
لا وقت للإعتذار، فلم نعد عائلة واحدة لأن أحداً لا يصدق أن يفعل أخ بأخيه كما فعلتم.
لا وقت للاعتذار، لأن حرية أو كرامة أو بلداً في التاريخ لم يبن على اعتذار تقدمه الضحية لجلادها. لا وقت للاعتذار، فدولة الحرية والكرامة وحقوق الإنسان ما نريد، ودولة السيد المطاع والعبد الضعيف المعتذر، ما تطلبون.
* صحافي بحريني